وأمام مشهد هؤلاء في النار - وكأنهم فيها فعلا الآن . ما دام قد حق عليهم العذاب - يعرض مشهد الذين اتقوا ربهم ، وخافوا ما خوفهم الله :
( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار . وعد الله . لا يخلف الله الميعاد ) . .
ومشهد الغرف المبنية ، من فوقها غرف ، تجري الأنهار من تحتها . . هذا المشهد يتقابل مع مشهد ظلل النار هناك من فوقهم ومن تحتهم . هذا التقابل الذي ينسقه التعبير القرآني وهو يرسم المشاهد للأنظار .
ذلك وعد الله . ووعد الله واقع . لا يخلف الله الميعاد .
ولقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة . عاشوا هذه المشاهد فعلاً وواقعاً . فلم تكن في نفوسهم وعداً أو وعيداً يتلقونهما من مستقبل بعيد . إنما كان هذا وذلك واقعاً تشهده قلوبهم وتحسه وتراه . وتتأثر وترتعش وتستجيب لمرآه . ومن ثم تحولت نفوسهم ذلك التحول ؛ وتكيفت حياتهم على هذه الأرض بذلك الواقع الأخروي ، الذي كانوا يعيشونه ويحيون به وهم بعد في الحياة ! وهكذا ينبغي أن يتلقى المسلم وعد الله .
قوله تعالى : " لكن الذين اتقوا ربهم " لما بين أن للكفار ظلا من النار من فوقهم ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف ؛ لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا و " لكن " ليس للاستدرار ؛ لأنه لم يأت نفي كقوله : ما رأيت زيدا لكن عمرا ، بل هو لترك قصة إلى قصة مخالفة للأولى كقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يأت .
" مبنية " قال ابن عباس : من زبرجد وياقوت " تجري من تحتها الأنهار " أي هي جامعة لأسباب النزهة . " وعد الله " نصب على المصدر ؛ لأن معنى " لهم غرف " وعدهم الله ذلك وعدا . ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد الله . " لا يخلف الله الميعاد " أي ما وعد الفريقين .
قوله : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } : لكن استدراك بين شيئين نقيضين أو ضدين وهما المؤمنون والكافرون . وذلك إخبار من الله عن أهل السعادة والنجاة في الآخرة ؛ إذ أعدّ الله لهم في الجنة منازلا وقصورا شامخات ، طباقا فوق طباق ، محكمات مزخرفات . وفي ذلك روى الإمام أحمد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قلنا : يا رسول الله ، حدّثْنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : " لبنةَ ذهب ولبنة فضة ، وملاطها المْسْك الأزفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران ، مَن يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلدُ ولا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه . ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم تُحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماوات ويقول الربًُّ تبارك وتعالى : " وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .
قوله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } : تنساب الأنهار جارية سائحة من تحت المنازل في الجنة وبين خلالها .
قوله : { وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } : { وَعْدَ } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله يعني هذا الذي ذكرناه وعد وعده الله عباده المؤمنين . وهو سبحانه { لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.