في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ} (6)

1

وأما تسجير البحار فقد يكون معناه ملؤها بالمياه . وإما أن تجيئها هذه المياه من فيضانات كالتي يقال إنها صاحبت مولد الأرض وبرودتها [ التي تحدثنا عنها في سورة النازعات ] وإما بالزلازل والبراكين التي تزيل الحواجز بين البحار فيتدفق بعضها في بعض . . وإما أن يكون معناه التهابها وانفجارها كما قال في موضع آخر : ( وإذا البحار فجرت ) . . فتفجير عناصرها وانفصال الأيدروجين عن الأكسوجين فيها . أو تفجير ذراتها على نحو ما يقع في تفجير الذرة ، وهو أشد هولا . أو على أي نحو آخر . وحين يقع هذا فإن نيرانا هائلة لا يتصور مداها تنطلق من البحار . فإن تفجير قدر محدود من الذرات في القنبلة الذرية أو الأيدروجينية يحدث هذا الهول الذي عرفته الدنيا ؛ فإذا انفجرت ذرات البحار على هذا النحو أو نحو آخر ، فإن الإدراك البشري يعجز عن تصور هذا الهول ؛ وتصور جهنم الهائلة التي تنطلق من هذه البحار الواسعة !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ} (6)

التفسير :

6- وإذا البحار سجّرت .

سجر التنور : أوقده نارا .

وقد ورد في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن تحت البحر نارا ، وتحت النار ماء ) .

فإذا اختل نظام الكون وتقطعت أوصاله ، وسيّرت الجبال ، حدثت الزلازل التي تجعل النيران تغلب على البحار .

وقد قال القرآن الكريم في موضع آخر : وإذا البحار فجّرت . ( الانفطار : 3 ) .

قال صاحب الظلال :

فتفجير عناصر المياه ، وانفصال الهيدروجين عن الأكسجين فيها ، أو تفجير ذراتها على نحو ما يقع في تفجير الذرة ، وهو أشدّ هولا ، أو على أيّ نحو آخر ، وحين يقع هذا فإن نيرانا هائلة لا يتصوّر مداها تنطلق من البحار ، فإن تفجير قدر محدود من الذرّات في القنبلة الذريّة أو الهيدروجينية ، يحدث هذا الهول الذي عرفته الدنيا ، فإذا تفجّرت ذرّات البحار على هذا النحو أو نحو آخر ، فإن الإدراك البشريّ يعجز عن تصوّر هذا الهول ، وتصوّر جهنم الهائلة التي تنطلق من هذه البحار الواسعة . ii .

ومن المفسرين من ذهب إلى أن تسجير البحار ، هو أن تقطّع الزلازل والبراكين ما بينها من حواجز ، حتى تصبح بحرا واحدا يختلط فيه الماء العذب بالماء الملح ، ورجح الشيخ محمد عبده هذا الرأسiii ، كما رجحه الأستاذ عبد الكريم الخطيب في التفسير القرآني للقرآن ، ولم يقبل الرأي الأول ، وهو تحوّل الماء إلى نار .

أما الأستاذ الدكتور زغلول النجارiv فقد رجّح أن تسجير الحار هو تحوّلها إلى نار بسبب انفصال الأكسجين عن الهيدروجين .

واعتبر ذلك من إعجاز القرآن الكريم ، حيث أشار إلى معان علمية أكّدها العلم بعد زمن طويل من نزول القرآن الكريم ، وقد نزلت على نبيّ أمّي ، لا علم له بذلك إلا عن طريق الوحي .

وقد أيّد العلم وجود طبقات من النار تحت البحار ، ويؤيد ذلك ما نراه في الزلازل والبراكين التي تقذف بالحمم والنيران الملتهبة ، والصخور المذابة التي تتحول إلى صهارة سائلة من أثر البراكين .

قال الشيخ محمد عبده :

وقد يكون تسجير البحار إضرامها نارا ، فإن ما في باطن الأرض من النار يظهر إذ ذاك بتشققها وتمزّق طبقاتها العليا ، أما الماء فيذهب عند ذلك بخارا ، ولا يبقى في البحار إلا النار ، أما كون باطن الأرض يحتوي على نار فقد ورد به بعض الأخبار ، حيث ورد أن البحر غطاء جهنم ، وإن لم يعرف في صحيحها ، ولكن البحث العلمي أثبت ذلك . v .

وفي ختام هذه الآية أذكّر القارئ بأن التفسير العلمي للقرآن الكريم له ثلاثة اتجاهات :

1- الاتجاه الأول : رفض التفسير العلمي للقرآن جملة وتفصيلا ، ومن روّاد هذا الاتجاه الإمام الشاطبي في كتابه ( الموافقات ) ، الذي ذهب إلى أن القرآن الكريم ينبغي أن يفهم كما فهمه العربي أول مرة ، ورفض الإمام الشاطبي التأويل للقرآن ، وحذا حذوه جانب من العلماء .

2- الاتجاه الثاني : يرى أن القرآن الكريم كتاب علم ، وقد اشتمل على ألوان من الإعجاز ، منها : الإعجاز الغيبي ، والإعجاز العلمي ، والإعجاز اللفظي ، والإعجاز البياني ، وفي العصور القديمة ساد التحدّي بالإعجاز اللفظي والأسلوبي والبلاغي ، أما في العصور اللاحقة فقد ساد التحدي بالإعجاز العلمي ، ومن أساطين المفسرين في ذلك الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ، والشيخ طنطاوي جوهري في العصر الحديث .

3- الاتجاه الثالث : وهو اتجاه وسط بين الاتجاهين ، يرى أن القرآن الكريم كتاب هداية بالدرجة الأولى ، وأن الله أنزل القرآن هدى ونورا ليتدبر الناس آياته ، ويتفهّموا معانيه ، ويعلموا بأوامره ، ويتجنبوا نواهيه ، والأساس عندهم أن ينكب الناس على فهم روح القرآن ومقاصده ، وأهدافه العليا ، وآفاقه السامقة كما هو ، وإذا حدث أن تأكد لدينا دليل علمي فلا بأس من ذكره بجوار تفسير القرآن ، للاستئناس به وبيان صدق القرآن الكريم الذي تأكد بالعلم ، وتأيد بالدليل والبرهان ، ومن أئمة الاتجاه الثالث الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر الأسبق ، فهو يقول :

لا ينبغي أن نجرّ الآية إلى العلم عند تفسيرها ، ولا أن نجر العلم إلى الآية ، ولكن إن كانت هناك حقيقة علمية مقررة فلا بأس من ذكرها عند تفسير الآية .

وهذا الاتجاه اتجاه وسط ، ينصب ويتجه إلى القرآن بالدرجة الأولى ، ويستشهد من حقائق العلم بنصيب ما ، بحيث لا يهيأ للمشاهد أن القرآن الكريم كتاب طبيعة أو كيمياء أو جغرافيا أو طبوغرافيا أو فلك أو طبقات الأرض ، أو غير ذلك من العلوم المدنية أو العسكرية أو غيرها .

فنحن أمام كتاب معجز بذاته ، وهدايته وصدقه ، وأخباره وأسلوبه ، وفصاحته وبلاغته ، ومع ذلك فإن العلوم والفنون لم تصطدم بأب حقيقة علمية قررها القرآن ، بل إن العلم ينزع إلى تأكيد صدقه .

كما قال سبحانه : سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد . ( فصلت : 53 ) .

والخلاصة : القرآن غالب غير مغلوب ، فاطمئنوا على حفظه وإعجازه ، وسيروا في بيان إعجازه العلمي على مهل وهدوء ويسر ، وركّزوا على بيان هدايته حين أنزل ، وحين بعث أمة كانت خير أمة أخرجت للناس ، ولا مانع من بيان الإعجاز العلمي بالقدر المناسب الميسّر ، والله ولي التوفيق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ} (6)

{ وإذا البحار سجرت } قرأ أهل مكة والبصرة بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد ، قال ابن عباس : أوقدت فصارت ناراً تضطرم ، وقال مجاهد ومقاتل : يعني فجر بعضها في بعض ، العذب والملح ، فصارت البحور كلها بحراً واحداً . وقال الكلبي . ملئت ، وهذا أيضاً معنى قوله : { والبحر المسجور } ( الطور- 6 ) ، والمسجور : المملوء ، وقيل : صارت مياهها بحراً واحداً من الحميم لأهل النار . وقال الحسن : يبست ، وهو قول قتادة ، قال : ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة . وروى أبو العالية عن أبي بن كعب ، قال : ست آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ، وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، وماج بعضهم في بعض ، فذلك قوله : { وإذا الوحوش حشرت } اختلطت ، { وإذا العشار عطلت } { وإذا البحار سجرت } قال : قالت الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر : فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، قال : فبينما هم كذلك إذ تصعدت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فجرت بعضها في جوف بعض العذب والمالح، ملئت في البحر المسجور، يعني الممتلئ، فصارت البحور كلها بحرا واحدا مثل طشت فيه ماء.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَإذَا الْبِحارُ سُجّرَتْ "اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛

فقال بعضهم: معنى ذلك: وإذا البحار اشتعلت نارا وحَمِيت...

وقال آخرون: معنى ذلك: فاضت...

وقال آخرون: بل عني بذلك أنه ذهب ماؤها...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: "وإذا البحار فجّرت" والعرب تقول للنهر أو للرّكيّ المملوء: ماء مسجور...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

[سجرت] أصل الكلمة من سجرت التنور إذا أوقدتها، والشيء إذا وقد فيه نشف ما فيه من الرطوبة، فحينئذ لا يبقى في البحار شيء من المياه البتة، ثم إن الجبال قد سيرت على ما قال: {وسيرت الجبال} وحينئذ تصير البحار والأرض شيئا واحدا في غاية الحرارة والإحراق، ويحتمل أن تكون الأرض لما نشفت مياه البحار ربت فارتفعت فاستوت برؤوس الجبال، ويحتمل أن الجبال لما اندكت وتفرقت أجزاؤها وصارت كالتراب وقع ذلك التراب في أسفل الجبال، فصار وجه الأرض مستويا مع البحار، ويصير الكل بحرا مسجورا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أفهم هذا الحشر، ذكر ما يدل على ما ينال أهل الموقف من الشدائد من شدة الحر فقال: {وإذا البحار} أي على كثرتها {سجرت} أي فجر بعضها إلى بعض حتى صارت بحراً واحداً، وملئت حتى كان ما فيها أكثر منها وأحمئت حتى كان كالتنور التهاباً وتسعراً فكانت شراباً لأهل النار وعذاباً عليهم، ولا يكون هذا إلا وقد حصل من الحر ما يذيب الأكباد...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأما تسجير البحار فقد يكون معناه ملؤها بالمياه. وإما أن تجيئها هذه المياه من فيضانات كالتي يقال إنها صاحبت مولد الأرض وبرودتها التي تحدثنا عنها في سورة النازعات، وإما بالزلازل والبراكين التي تزيل الحواجز بين البحار فيتدفق بعضها في بعض.. وإما أن يكون معناه التهابها وانفجارها كما قال في موضع آخر: (وإذا البحار فجرت).. فتفجير عناصرها... أو تفجير ذراتها على نحو ما يقع في تفجير الذرة، وهو أشد هولا. أو على أي نحو آخر. وحين يقع هذا فإن نيرانا هائلة لا يتصور مداها تنطلق من البحار. فإن تفجير قدر محدود من الذرات في القنبلة الذرية أو الأيدروجينية يحدث هذا الهول الذي عرفته الدنيا؛ فإذا انفجرت ذرات البحار على هذا النحو أو نحو آخر، فإن الإدراك البشري يعجز عن تصور هذا الهول؛ وتصور جهنم الهائلة التي تنطلق من هذه البحار الواسعة!...

الشعراوي-1419هـ:

{وإذا البحار سجّرت} بمعنى: اتقدت، وصارت ناراً، و {سجّرت} بمعنى: امتلأت، و {سجرّت} بمعنى: حفظت من أن تهيج وتضطرب، ثلاثة معانٍ في اللغة، فأي معنى من هذه المعاني يقصده سبحانه وتعالى؟!

إن إطلاق اللفظ يشتمل على كل هذه المعاني، وهذا يعطينا الفائدة، وهي زوايا متعددة من المعاني.

فستكون البحار كلها ناراً، فهو يقرب لنا الصورة، وسجرت التنور أي: ملأته بالحطب، وسجرت بمعنى: منعت من أن تضطرب وتهيج، فيكون أي معنى من هذه المعاني يمكن أن يذهب إليه الذهن، والمراد أنها ستخرج عما ألفتم واعتدتم إلى أمر لم تعتادوه ولم تألفوه، أمر مهول مفزع، وهذا هو المعنى النهائي المراد.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وإذا خالج القدماء التعجب والاستغراب لهذا الوصف القرآني، فقد بات اليوم من البديهيات الكسبية، لما يتركب منه الماء من عنصري الأوكسجين والهيدروجين، القابلات للاشتعال بسرعة، ولا يستبعد أن يوضع الماء في إرهاصات يوم القيامة تحت ضغط شديد ممّا يؤدي إلى تجزئة وتفكيك عناصره، وعندما سيتحول إلى كتلة ملتهبة من النّار. وقيل: «سجّرت»: بمعنى (امتلأت)، كما يقال للتنور الممتلئ بالنّار (مسجّر)، وعلى ضوء هذا المعنى، يمكننا أنْ نتصور امتلاء البحار ممّا سيتسبب من الزلازل الحادثة وتدمير الجبال في إرهاصات يوم القيامة، أو ستمتلئ بما يتساقط من أحجار وصخور سماوية، فيفيض ماؤها على اليابسة ليغرق كلّ شيء...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ} (6)

ولما أفهم هذا الحشر ، ذكر ما يدل على ما ينال أهل الموقف من الشدائد من شدة الحر فقال : { وإذا البحار } أي على كثرتها { سجرت * } أي فجر بعضها إلى بعض حتى صارت بحراً واحداً وملئت{[71842]} حتى كان ما فيها أكثر {[71843]}منها وأحمئت{[71844]} حتى كان كالتنور التهاباً وتسعراً {[71845]}فكانت شراباً لأهل النار وعذاباً عليهم ، ولا يكون هذا إلا وقد حصل من الحر ما يذيب الأكباد .


[71842]:من م، وفي ظ: غلت.
[71843]:من م، وفي ظ: منهما واحمست.
[71844]:من م، وفي ظ: منهما واحمست.
[71845]:ومن هنا يستأنف الأصل.