( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون . إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين ) . . والسفينة في الخضم كالريشة في مهب الريح ، مهما ثقلت وضخمت وأتقن صنعها . وإلا تدركها رحمة الله فهي هالكة هالكة في لحظة من ليل أو نهار . والذين ركبوا البحار سواء عبروها في قارب ذي شراع أو في عابرة ضخمة للمحيط ، يدركون هول البحر المخيف ؛ وضآلة العصمة من خطره الهائل وغضبه الجبار . ويحسون معنى رحمة الله ؛ وأنها وحدها العاصم بين العواصف والتيارات في هذا الخلق الهائل الذي تمسك يد الرحمة الإلهية عنانه الجامح ، ولا تمسكه يد سواها في أرض أو سماء . وذلك حتى يقضي الكتاب أجله ، ويحل الموعد المقدور في حينه ، وفق ما قدره الحكيم الخبير : ومتاعاً إلى حين . .
44 { إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } .
لكن برحمتنا الواسعة نحفظكم من المهالك ، ونسيركم في البرّ والبحر ، ونرزقكم بخيرات السماء والأرض ، ونمتعكم بمتاع الدنيا إلى انتهاء آجالكم وإلى حين موتكم ، فالإنسان وقد ولد وقد سجل معه أجله ورزقه وشقاؤه أو سعادته ، وحين ينجو من الهلاك في البحر بفضل الله ورحمته ، فهذا الإنقاذ إمتاع بالحياة الدنيا إلى وقت انتهاء أجله ، وقريب من ذلك ما أنشده أبو الطيب المتنبي في وصف الحمّى حيث يقول :
أقمت بأرض مصر فلا ورائي *** تخب بي المطيّ ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنبي *** يملّ لقاءه في كل عام
قليل عائدي أسف فؤادي *** كثير حاسدي صعب مرامي
وزائرتي كأنّ بها حياء *** فليس تزور إلا في الظلام
إذا ما فارقتني غسَّلتني *** كأنا عاكفان على حرام
كأن الصبح يطردها فتجري *** مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق *** مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر *** إذ ألقاك في الكرب العظام
أبنت الدَّهر عندي كل بنت *** فكيف نجوت أنت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه *** مكان للسيوف ولا السهام
فإن أمرض فما مرض اصطباري وإن أحمم فما حمّ اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن *** سلمت من الحمام إلى الحمام
وموضع الشاهد أنه إذا سلم من الحمّى فلن يخلّد في الدنيا ، بل يسلم من الحمى لوقت محدد ، ثم يلقى الحمام وهو الموت .
{ إِلا رَحْمَةً مِنَّا . . . } وهذا استثناء منقطع ، تقديره : ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر ، ونسلّمكم إلى أجل مسمى ، ولهذا قال تعالى : { وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } . إلى وقت معلوم عند الله عز وجل17 .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.