ثم يعرف الله عباده بنفسه في صفته المناسبة للوحدانية :
( رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ) . .
وهذه السماوات والأرض قائمة حيال العباد ؛ تحدثهم عن الخالق البارى ء المدبر لهذا الملكوت الهائل ؛ الذي لا يدعي أحد أنه يملك خلقه وتدبيره ؛ ولا يملك أحد أن يهرب من الاعتراف لخالقه بالقدرة المطلقة والربوبية الحقة . ( وما بينهما ) . . من هواء وسحاب ، وضوء ونور ، ومخلوقات دقيقة يعرف البشر شيئاً منها الحين بعد الحين ، ويخفى عليهم منها أكثر مما يكشف لهم !
والسماوات والأرض وما بينهما من الضخامة والعظمة والدقة والتنوع والجمال والتناسق بحيث لا يملك الإنسان نفسه أمامها - حين يستيقظ قلبه - من التأثر العميق ، والروعة البالغة ، والتفكر الطويل . وما يمر الإنسان بهذا الخلق العظيم من غير ما تأثر ولا تدبر إلا حين يموت قلبه ، فيفقد التأثر والاستجابة لإيقاعات هذا الكون الحافل بالعجائب .
ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق ، فهي مشارق كثيرة في كل جانب من جوانب السماوات الفسيحة . . وللتعبير دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك . فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة - كما تتوالى المغارب - فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس كان هناك مشرق على هذا القطاع ، وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له في الكرة الأرضية . حتى إذا تحركت الأرض كان هناك مشرق آخر على القطاع التالي ومغرب آخر على القطاع المقابل له وهكذا . . وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن الكريم ؛ ولكن خبرهم بها الله في ذلك الزمان القديم !
وهذا النظام الدقيق في توالي المشارق على هذه الأرض . وهذا البهاء الرائع الذي يغمر الكون في مطالع المشارق . . كلاهما جدير بأن يوقع في القلب البشري من التأثرات الموحية ، ما يهتف به إلى تدبر صنعة الصانع المبدع ، وإلى الإيمان بوحدانية الخالق المدبر ، بما يبدو من آثار الصنعة الموحدة التي لا اختلاف في طابعها الدقيق الجميل .
تلك هي مناسبة ذكر هذه الصفة من صفات الله الواحد في هذا المقام . وسنرى أن ذكر السماء وذكر المشارق له مناسبة أخرى فيما يلي هذه الآيات من السورة . عند الحديث عن الكواكب والشهب والشياطين والرجوم . .
المشارق : مشارق الشمس على امتداد خط المشرق .
5- { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق } .
من صفة الله أنه رب الكون وخالقه وموجده من العدم ، وهو الذي يحفظه ويمسك بزمامه .
ومعنى الآية : الله الواحد هو رب السماوات وما فيها ، ورب الأرض وما عليها ، من جبال وبحار وأنهار وأشجار وقفار وزراعات ، وسائر ما خلق في الأرض ، وهو سبحانه رب الفضاء والهواء والعوالم العظيمة التي بين السماء والأرض .
قال تعالى : { له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } . [ طه : 6 ] .
وهو سبحانه وتعالى : { رب المشارق } .
أي : مشارق الشمس ومغاربها ، فلها في كل يوم مشرق معين تشرق منه ، ولها في كل يوم مغرب معين تغرب منه ، واكتفى هنا بذكر المشارق عن المغارب ، لأن أحدهما يغني عن الآخر ولأن الشروق سابق على الغروب .
ونلاحظ أن القرآن الكريم عبّر عن الشروق والغروب أحيانا بالمفرد مثل قوله تعالى : { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } . [ المزمل : 9 ] .
وأحيانا بلفظ المثنّى مثل : { رب المشرقين ورب المغربين } . [ الرحمان : 17 ] .
وأحيانا بلفظ الجمع مثل : { ورب المشارق } .
فالمفرد المراد به : الجهة ، جهة الشرق وجهة الغرب ، والمثنى المراد منهما : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما ، والمشارق المراد منها : مشارق النجوم والكواكب والشمس ، بل والشموس في أيام السنة ، وهي مشارق متعددة بعدد أيام السنة .
أي : ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق ، فهي مشارق كثيرة في كل جانب من جوانب السماوات الفسيحة . . وللتعبير دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك ، فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة . كما تتوالى المغارب ، فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس كان هناك مشرق على هذا القطاع ، وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له في الكرة الأرضية . . وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن الكريم ، أخبرهم الله تعالى بها في ذلك الزمان القديم . ا ه .
ولما ثبت أنه واحد ، أنتج وصفه بقوله : { رب } أي موجد ومالك وملك ومدبر { السماوات } أي الأجرام العالية { والأرض } أي الأجرام السافلة { وما بينهما } أي من الفضاء المشحون من المرافق والمعاون بما تعجز عن عده القوى ، وهذا - مع كونه نتيجة ما مضى - يصلح أن يكون دليلاً عليه لما أشار إليه من انتظام التدبير الذي لا يتهيأ مع التعدد كما أن المقسم به هنا إشارة إلى دليل الوحدانية أيضاً بكونه على نظام واحد دائماً في الطاعة التي أشير إليها بالصف والزجر والتلاوة ، فسبحان من جعل هذا القرآن معجز النظام ، بديع الشأن بعيد المرام .
ولما كان السياق للإفاضة بالتلاوة وغيرها ، وكانت جهة الشروق جهة الإفاضة بالتجلي الموجد للخفايا الموجب للتنزه عن النقائص ، وكان الجميع أليق بالاصطاف الناظر إلى القهر بالائتلاف قال : { ورب المشارق * } أي الثلاثمائة والستين التي تجلى عليكم كل يوم فيها الشمس والقمر وسائر الكواكب السيارة على كر الدهور والأعوام ، والشهور والأيام ، على نظام لا ينحل ، ومسير لا يتغير ولا يختل ، وذكرها يدل قطعاً على المغارب لأنها تختلف بها ، وأعاد الصفة معها تنبيهاً على وضوح دلالتها بما فيها مما السياق له من الاصطفاف الدال على حسن الائتلاف ، وللدلالة على البعث بالآيات بعد الغياب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.