في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

ثم يعرف الله عباده بنفسه في صفته المناسبة للوحدانية :

( رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ) . .

وهذه السماوات والأرض قائمة حيال العباد ؛ تحدثهم عن الخالق البارى ء المدبر لهذا الملكوت الهائل ؛ الذي لا يدعي أحد أنه يملك خلقه وتدبيره ؛ ولا يملك أحد أن يهرب من الاعتراف لخالقه بالقدرة المطلقة والربوبية الحقة . ( وما بينهما ) . . من هواء وسحاب ، وضوء ونور ، ومخلوقات دقيقة يعرف البشر شيئاً منها الحين بعد الحين ، ويخفى عليهم منها أكثر مما يكشف لهم !

والسماوات والأرض وما بينهما من الضخامة والعظمة والدقة والتنوع والجمال والتناسق بحيث لا يملك الإنسان نفسه أمامها - حين يستيقظ قلبه - من التأثر العميق ، والروعة البالغة ، والتفكر الطويل . وما يمر الإنسان بهذا الخلق العظيم من غير ما تأثر ولا تدبر إلا حين يموت قلبه ، فيفقد التأثر والاستجابة لإيقاعات هذا الكون الحافل بالعجائب .

( ورب المشارق ) . .

ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق ، فهي مشارق كثيرة في كل جانب من جوانب السماوات الفسيحة . . وللتعبير دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك . فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة - كما تتوالى المغارب - فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس كان هناك مشرق على هذا القطاع ، وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له في الكرة الأرضية . حتى إذا تحركت الأرض كان هناك مشرق آخر على القطاع التالي ومغرب آخر على القطاع المقابل له وهكذا . . وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن الكريم ؛ ولكن خبرهم بها الله في ذلك الزمان القديم !

وهذا النظام الدقيق في توالي المشارق على هذه الأرض . وهذا البهاء الرائع الذي يغمر الكون في مطالع المشارق . . كلاهما جدير بأن يوقع في القلب البشري من التأثرات الموحية ، ما يهتف به إلى تدبر صنعة الصانع المبدع ، وإلى الإيمان بوحدانية الخالق المدبر ، بما يبدو من آثار الصنعة الموحدة التي لا اختلاف في طابعها الدقيق الجميل .

تلك هي مناسبة ذكر هذه الصفة من صفات الله الواحد في هذا المقام . وسنرى أن ذكر السماء وذكر المشارق له مناسبة أخرى فيما يلي هذه الآيات من السورة . عند الحديث عن الكواكب والشهب والشياطين والرجوم . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

المفردات :

المشارق : مشارق الشمس على امتداد خط المشرق .

التفسير :

5- { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق } .

من صفة الله أنه رب الكون وخالقه وموجده من العدم ، وهو الذي يحفظه ويمسك بزمامه .

ومعنى الآية : الله الواحد هو رب السماوات وما فيها ، ورب الأرض وما عليها ، من جبال وبحار وأنهار وأشجار وقفار وزراعات ، وسائر ما خلق في الأرض ، وهو سبحانه رب الفضاء والهواء والعوالم العظيمة التي بين السماء والأرض .

قال تعالى : { له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } . [ طه : 6 ] .

وهو سبحانه وتعالى : { رب المشارق } .

أي : مشارق الشمس ومغاربها ، فلها في كل يوم مشرق معين تشرق منه ، ولها في كل يوم مغرب معين تغرب منه ، واكتفى هنا بذكر المشارق عن المغارب ، لأن أحدهما يغني عن الآخر ولأن الشروق سابق على الغروب .

ونلاحظ أن القرآن الكريم عبّر عن الشروق والغروب أحيانا بالمفرد مثل قوله تعالى : { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } . [ المزمل : 9 ] .

وأحيانا بلفظ المثنّى مثل : { رب المشرقين ورب المغربين } . [ الرحمان : 17 ] .

وأحيانا بلفظ الجمع مثل : { ورب المشارق } .

فالمفرد المراد به : الجهة ، جهة الشرق وجهة الغرب ، والمثنى المراد منهما : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما ، والمشارق المراد منها : مشارق النجوم والكواكب والشمس ، بل والشموس في أيام السنة ، وهي مشارق متعددة بعدد أيام السنة .

جاء في ظلال القرآن ما يأتي :

قوله : { ورب المشارق } .

أي : ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق ، فهي مشارق كثيرة في كل جانب من جوانب السماوات الفسيحة . . وللتعبير دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك ، فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة . كما تتوالى المغارب ، فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس كان هناك مشرق على هذا القطاع ، وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له في الكرة الأرضية . . وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن الكريم ، أخبرهم الله تعالى بها في ذلك الزمان القديم . ا ه .