في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

بعدئذ يجيء بتلك البشرى العظيمة لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وامته من ورائه :

( سنقرئك فلا تنسى - إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى - ونيسرك لليسرى . فذكر إن نفعت الذكرى ) . .

وتبدأ البشرى برفع عناء الحفظ لهذا القرآن والكد في إمساكه عن عاتق الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] : ( سنقرئك فلا تنسى ) . . فعليه القراءة يتلقاها عن ربه ، وربه هو المتكفل بعد ذلك بقلبه ، فلا ينسى ما يقرئه ربه .

وهي بشرى للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] تريحه وتطمئنه على هذا القرآن العظيم الجميل الحبيب إلى قلبه . الذي كان يندفع بعاطفة الحب له ، وبشعور الحرص عليه ، وبإحساس التبعة العظمى فيه . . إلى ترديده آية آية وجبريل يحمله إليه ، وتحريك لسانه به خيفة أن ينسى حرفا منه . حتى جاءته هذه البشائر المطمئنة بأن ربه سيتكفل بهذا الأمر عنه .

وهي بشرى لأمته من ورائه ، تطمئن بها إلى أصل هذه العقيدة . فهي من الله . والله كافلها وحافظها في قلب نبيها . وهذا من رعايته سبحانه ، ومن كرامة هذا الدين عنده ، وعظمة هذا الأمر في ميزانه .

وفي هذا الموضع كما في كل موضع يرد فيه وعد جازم ، أو ناموس دائم ، يرد ما يفيد طلاقة المشيئة الإلهية من وراء ذلك ، وعدم تقيدها بقيد ما ولو كان هذا القيد نابعا من وعدها وناموسها . فهي طليقة وراء الوعد والناموس . ويحرص القرآن على تقرير هذه الحقيقة في كل موضع - كما سبق أن مثلنا لهذا في الظلال - ومن ذلك ما جاء هنا :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

المفردات :

سنقرئك : ما نوحي إليك بواسطة جبريل عليه السلام .

فلا تنسى : أبدا من قوة الحفظ والإتقان .

التفسير :

6 ، 7- سنقرئك فلا تنسى* إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى .

سنجعلك قارئا للقرآن الكريم خلف جبريل فلا تنساه أبدا ، وهذه هداية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وإحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم أن يكون أميا ، لم يقرأ كتابا ، ثم يحفظ القرآن الكريم بعد تبليغ جبريل ، ويظل القرآن في قلبه ولسانه كما أنزل ، هذه معجزة إلهية للنبي صلى الله عليه وسلم .

وفي معنى الآية قوله تعالى : لا تحرّك به لسانك لتعجل به* إنّ علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه* ثم إنّ علينا بيانه . ( القيامة : 16-19 ) .

لقد تكفل الله بجمع القرآن الكريم في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تكفّل بقراءة القرآن سليما تام الضبط على لسانه ليكون قدوة عملية للصحابة وللمسلمين جيلا بعد جيل ، كما تكفل الله ببيان المعنى للرسول صلى الله عليه وسلم فيلهمه إلهاما بالمراد من الآيات حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بنقل ذلك للأمة .

قال تعالى : وأنزلنا إليك الذّكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون . ( النحل : 44 ) .

وخلاصة المعنى :

سنقرئك فلا تنسى . سنقرئك يا محمد هذا القرآن العظيم ، فتحفظه في صدرك ولا تنساه ، إلا ما شاء الله . . . لكن ما أراد الله نسخه فإنك تنساه .

وقال الإمام الشوكاني :

سنقرئك فلا تنسى .

سنجعلك قارئا ، بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه ، والجملة مستأنفة لبيان هدايته صلى الله عليه وسلم الخاصة ، بعد بيان الهداية العامة ، وهي هدايته صلى الله عليه وسلم لحفظ القرآن .

وقوله تعالى : إلا ما شاء الله . . . استثناء مفرّغ من أعم المفاعيل ، أي : لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه ، وهو لم يشأ سبحانه أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا .

إنه يعلم الجهر وما يخفى .

هو سبحانه عليم بما يجهر به العباد ويعلنونه ، وهو عليم بما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

{ سنقرئك . . . } بيان لهدايته صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي ، وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين ، وتوفيقه لهداية الناس أجمعين . أي سنقرئك القرآن على لسان جبريل ، فتحفظه ولا تنساه في وقت من الأوقات ، إلا وقت مشيئة الله أن تنساه كله ؛ لكنه سبحانه لا يشاء ذلك ، بدلالة قوله : " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " {[399]} . وقوله : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " {[400]} . والمقصود من هذا الاستثناء : بيان أنه تعالى لو أراد أن يصيّره ناسيا للقرآن لقدر عليه ؛ كما قال تعالى : " ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك " {[401]}إذ هو على كل شيء قدير ، ولكن لم يشأ ذلك فضلا منه وإحسانا . أو المعنى : لا تنسى مما سنقرئك إياه شيئا ، إلا ما شاء الله أن تنساه ؛ فيذهب به عن حفظك برفع حكمه وتلاوته .


[399]:آية 17 القيامة.
[400]:آية 9 الحجر.
[401]:آية 86 الإسراء.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

وبعد أن ذكر الله دلائلَ قدرته ، ذكر فضلَه على رسوله الكريم مع البشرى العظيمة له ولأمته بقوله :

{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى } ، بشرى عظيمة من الله تعالى لك يا محمد أنه سيشرح صدرَك ، ويقوّي ذاكرتَك فتتلقى القرآنَ وتحفظه فلا تنساه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } أي : سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئًا ، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

{ سنقرئك } سنعلمك بقراءة جبريل عليك . { فلا تنسى . }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

قوله تعالى : " سنقرئك " أي القرآن يا محمد فنعلمكه " فلا تنسى " أي فتحفظ ، رواه ابن وهب عن مالك . وهذه بشرى من اللّه تعالى ، بشره بأن أعطاه آية بينة ، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي ، وهو أُمي لا يكتب ولا يقرأ ، فيحفظه ولا ينساه . وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : كان يتذكر مخافة أن ينسى ، فقيل : كفيتكه . قال مجاهد والكلبي : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي ، لم يفرغ جبريل من آخر الآية ، حتى يتكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم بأولها ، مخافة أن ينساها ، فنزلت : " سنقرئك فلا تنسى " بعد ذلك شيئا ، فقد كفيتكه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

ولما استوفى سبحانه وتعالى وصف من أمره صلى الله عليه وسلم بتسبيحه بما دل على أوصاف جماله ونعوت كبريائه وجلاله ، وشرح ما له سبحانه من القدرة التامة على الإبداع والهداية والتصرف في الأرواح الحسية والمعنوية بالنشر والطي والقبض والبسط ، فدل على تمام أصول الدين بالدلالة على وجوده{[72850]} سبحانه على{[72851]} سبيل التنزل{[72852]} من ذاته إلى صفاته ثم إلى أفعاله فتم ما للخالق ، أتبعه ما للخلائق وبدأ {[72853]}بما لأشرف{[72854]} خلقه المنزل عليه هذا الذكر تقديراً للنبوة التي بها تتم السعادة بالحقائق الواصلة من الحق إلى عبده{[72855]} ، التي بها يتم أمره من القوتين العلمية ثم العملية بقبول الرسالة بعد التوحيد ، لأن حياة الإنسان لا يتم طيبها إلا بمقتدي يقتدى به من أقواله وأفعاله وسائر أحواله ، ولا مقتدي{[72856]} مثل المعصوم عن كل ميل الموجب ذلك الحب من كل ما يعرف حاله ، والحب في الله أعظم دعائم الدين ، فقال معللاً للأمر بالتسبيح للموصوف بالجلال والجمال دالاً{[72857]} على-{[72858]} أنه يحيي ميت الأرواح بالعلم كما يحيي ميت الأشباح بالأرواح { سنقرئك } أي نجعلك بعظمتنا بوعد لا خلف فيه على سبيل التكرار بالتجديد والاستمرار قارئاً ، أي جامعاً لهذا الذكر الذي هو حياة الأرواح بمنزلة حياة الأشباح ، الذي تقدم أنه قول فصل ، عالماً به كل علم ، ناشراً له في كل حي ، فارقاً به بين-{[72859]} كل ملتبس ، وإن كنت أميّاً لا تحسن الكتابة ولا القراءة ، ولذلك سبب عنه قوله : { فلا تنسى * } أي شيئاً منه ولا من غيره ليكون في ذلك آيتان : كونك تقرأ وأنت أمي ، وكونك تخبر عن المستقبل فيكون كما قلت فلا تحرك به-{[72860]} لسانك عند التنزيل لتعجل به ولا تتعب نفسك فإن علينا حفظه في صدرك وإنطاق{[72861]} لسانك به .


[72850]:من ظ و م، وفي الأصل: وجود.
[72851]:من م، وفي الأصل و ظ: إلى.
[72852]:من م، وفي الأصل و ظ: الشرك.
[72853]:من ظ و م، وفي الأصل: بأشرف.
[72854]:من ظ و م، وفي الأصل: بأشرف.
[72855]:في ظ: العبد.
[72856]:من م، وفي الأصل و ظ: المقتدى.
[72857]:من ظ، وفي الأصل و م: دال.
[72858]:زيد من م.
[72859]:زيد من م.
[72860]:زيد من ظ و م.
[72861]:من ظ، وفي الأصل :إن طال، وفي م: انطال.