قوله تعالى : { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى }
اعلم أنه تعالى لما أمر محمدا بالتسبيح فقال : { سبح اسم ربك الأعلى } واعلم محمدا عليه السلام أن ذلك التسبيح لا يتم ولا يكمل إلا بقراءة ما أنزله الله تعالى عليه من القرآن ، لما بينا أن التسبيح الذي يليق به هو الذي يرتضيه لنفسه ، فلا جرم كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى فأزال الله تعالى ذلك الخوف عن قلبه بقوله : { سنقرئك فلا تنسى } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الواحدي : { سنقرئك } أي سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه ، والمعنى نجعلك قارئا للقرآن تقرؤه فلا تنساه ، قال مجاهد ومقاتل والكلبي : كان عليه السلام إذا نزل عليه القرآن أكثر تحريك لسانه مخافة أن ينسى ، وكان جبريل لا يفرغ من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله مخافة النسيان ، فقال تعالى : { سنقرئك فلا تنسى } أي سنعلمك هذا القرآن حتى تحفظه ، ونظيره قوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } وقوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } ثم ذكروا في كيفية ذلك الاستقراء والتعليم وجوها ( أحدها ) : أن جبريل عليه السلام سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظا لا تنساه ( وثانيها ) : أنا نشرح صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظ بالمرة الواحدة حفظا لا تنساه ( وثالثها ) : أنه تعالى لما أمره في أول السورة بالتسبيح فكأنه تعالى قال : واظب على ذلك ودم عليه فإنا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين ويكون فيه ذكرك وذكر قومك ونجمعه في قلبك ، ونيسرك لليسرى وهو العمل به .
المسألة الثانية : هذه الآية تدل على المعجزة من وجهين ( الأول ) : أنه كان رجلا أميا فحفظه لهذا الكتاب المطول من غير دراسة ولا تكرار ولا كتبة ، خارق للعادة فيكون معجزا ( الثاني ) : أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة ، فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة سيقع في المستقبل وقد وقع فكان هذا إخبارا عن الغيب فيكون معجزا ، أما قوله : { فلا تنسى } فقال بعضهم : { فلا تنسى } معناه النهي ، والألف مزيدة للفاصلة ، كقوله : { السبيلا } يعني فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه ، والقول المشهور أن هذا خبر والمعنى سنقرئك إلى أن تصير بحيث لا تنسى وتأمن النسيان ، كقولك سأكسوك فلا تعرى أي فتأمن العرى ، واحتج أصحاب هذا القول على ضعف القول الأول بأن ذلك القول لا يتم إلا عند التزام مجازات في هذه الآية منها أن النسيان لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فلا يصح ورود الأمر والنهي به ، فلابد وأن يحمل ذلك على المواظبة على الأشياء التي تنافي النسيان مثل الدراسة وكثرة التذكر .
وكل ذلك عدول عن ظاهر اللفظ . ومنها أن تجعل الألف مزيدة للفاصلة وهو أيضا خلاف الأصل ومنها أنا إذا جعلناه خبرا كان معنى الآية بشارة الله إياه بأني أجعلك بحيث لا تنساه ، وإذا جعلناه نهيا كان معناه أن الله أمره بأن يواظب على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة ، وهذا ليس في البشارة وتعظيم حاله مثل الأول ، ولأنه على خلاف قوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.