محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

{ سنقرئك فلا تنسى } أي سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه والمعنى نجعلك قارئا للقرآن فلا تنساه .

قال الزمخشري بشره الله بإعطاء آية بينة وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ فيحفظه ولا ينساه .

تنبيهات : الأول قال الرازي هذه الآية تدل على المعجزة من وجهين : أحدهما : إنه كان رجلا أميا فحفظه لهذا الكتاب المطول عن غير دراسة ولا تكرار ولا كتبة خارق للعادة ، فيكون معجزا .

وثانيهما إن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة ، فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة سيقع في المستقبل وقد وقع فكان هذا إخبارا عن الغيب فيكون معجزا .

الثاني قيل { لا تنسى } نهي والألف للإطلاق في الفاصلة وهو جائز مثل {[7437]} { السبيلا } والمعنى لا تغفل قراءته وتكريره فتنساه فالنهي عنه مجاز عن ترك أسبابه الاختيارية .

قال الرازي والقول المشهور إن هذا خبر ، والمعنى سنقرئك إلى أن تصير بحيث لا تنسى وتأمن النسيان كقولك ( سأكسوك فلا تعرى ) أي فتأمن من العرى ، قال واحتج أصحاب هذا القول على ضعف القول الأول بأن ذلك القول لا يتم إلا عند التزام مجازات في هذه الآية منها أن النسيان لا يقدر عليه إلا الله تعالى فلا يصح ورود الأمر والنهي به فلا بد وأن يحمل ذلك على المواظبة على الأشياء التي تنافي النسيان مثل الدراسة وكثرة التذكر وكل ذلك عدول عن ظاهر اللفظ .

ومنها أن نجعل الألف مزيدة للفاصلة وهو أيضا خلاف الأصل .

ومنها أنا إذا جعلناه خبرا كان معنى الآية بشارة الله إياه بأني أجعلك بحيث لا تنساه وإذا جعلناه نهيا كان معناه أن الله أمره بأن يواظب على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة ، وهذا ليس في البشارة وتعظيم حاله مثل الأول ولأنه على خلاف قوله{[7438]} { لا تحرك به لسانك لتعجل به } انتهى .

الثالث قال البرهان الشافعي في كتاب ( تفضيل السلف على الخلف ) .

إن بعضهم ذكر أن هذه الآية ناسخة لآية { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } وتحقيق معنى النسخ هاهنا في غاية الإشكال لأن قوله { ولا تعجل } نهي عن العجلة ، وقوله { سنقرئك فلا تنسى } ليس بأمر بها ليكون ناسخا للنهي عنها بل هو خير عن بقاء الحفظ بعد إقرائه .

وفحواه مؤكد لمعنى الخطاب الآخر لأن تأويله إذا نحفظك تحفيظا لا تخاف معه النسيان . فلا حاجة لك إلى أن تعجل بالقرآن وتحرك به لسانك ولكنهم سموه نسخا لغة لا حقيقة على معنى تبدل الحال عنده فإنه ظهر له الأمن عن النسيان بعد خوفه أن ينساه لما يحرك به لسانه انتهى .


[7437]:33/الأحزاب / 67.
[7438]:75- القيامة/ 16.