وفي الآية التالية يقرر أن هؤلاء هم أصحاب النار ، ويشير للمؤمنين ليسلكوا طريقا غير طريقهم وهم أصحاب الجنة . وطريق أصحاب الجنة غير طريق أصحاب النار :
( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة . أصحاب الجنة هم الفائزون ) . .
لا يستويان طبيعة وحالا ، ولا طريقا ولا سلوكا ، ولا وجهة ولا مصيرا . فهما على مفرق طريقين لا يلتقيان أبدا في طريق . ولا يلتقيان أبدا في سمة . ولا يلتقيان أبدا في خطة . ولا يلتقيان أبدا في سياسة . ولا يلتقيان أبدا في صف واحد في دنيا ولا آخرة . .
( أصحاب الجنة هم الفائزون ) . . يثبت مصيرهم ويدع مصير أصحاب النار مسكوتا عنه . معروفا . وكأنه ضائع لا يعنى به التعبير !
20- { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } .
أي : لا يستوي الذين : إن نسوا الله فاستحقوا الخلود في النار ، والذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة .
ونحو الآية قوله تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } . ( الجاثية : 21 ) .
وقوله تعالى : { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } . ( ص : 28 ) .
ثم بيّن عدم استوائهما ، فقال :
{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } .
أي : أصحاب الجنة هم الفائزون بكل مطلوب ، الناجون من كل مكروه .
وفي هذا تنبيه إلى أن الناس لفرط غفلتهم وقلة تفكرهم في العاقبة ، وتهالكهم على إيثار العاجلة ، واتباعهم للشهوات الفانية ، كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار ، وشاسع البون بين أصحابهما ، وأن الفوز لأصحاب الجنة ، فمن حقهم أن يعلموا ذلك بعد أن نبهوا له ، كما تقول لمن عق أباه : هو أبوك ، تجعله كأنه لا يعرف ذلك فتنبهه إلى حق الأبوة الذي يقتضي البر والعطف .
قوله تعالى : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } أي في الفضل والرتبة ، { أصحاب الجنة هم الفائزون } أي المقربون المكرمون . وقيل : الناجون من النار . وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في " المائدة " عند قوله تعالى : { قل لا يستوي الخبيث والطيب{[14870]} }[ المائدة : 100 ] وفي سورة " السجدة " عند قوله تعالى : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون{[14871]} } [ السجدة : 18 ] . وفي سورة " ص " { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار{[14872]} } [ ص : 28 ] فلا معنى للإعادة ، والحمد لله{[14873]} .
ولما تم الدليل على أن حزب الله هم المفلحون لما أيدهم به في{[64159]} هذه الحياة الدنيا من النصر والشدة على الأعداء واللين والمعاضدة للأولياء وسائر الأفعال الموصلة إلى جنة المأوى ، وصرح في آخر الدليل بخسران حزب الشيطان فعلم أن {[64160]}لهم مع{[64161]} هذا الهوان عذاب النيران ، وكان المغرور بعد هذا بالدنيا الغافل عن الآخرة لأجل شهوات فانية وحظوظ زائلة عاملاً عمل من يعتقد أنه لا فرق بين{[64162]} الشقي بالنار والسعيد بالجنة لتجشمه التجرع لمرارات الأعمال المشتملة عليها ، أشج ذلك قوله منزلاً لهم منزلة الجازم بذلك أو الغافل عنه تنبيهاً لهم على غلطهم وإيقاظاً من غفلتهم : { لا يستوي } أي بوجه من الوجوه { أصحاب النار } التي هي محل الشقاء الأعظم { وأصحاب الجنة } التي هي دار النعيم الأكبر لا في الدنيا ولا في الآخرة وهي من أدلة أنه لا يقتل مسلم بكافر .
ولما كان نفي الاستواء غير معلم في حد ذاته بالأعلى من الأمرين ، وكان هذا السياق معلماً بما حفه من القرائن بعلو أهل الجنة ، صرح به في قوله :{ أصحاب الجنة هم } أي{[64163]} خاصة { الفائزون * } المدركون{[64164]} لكل محبوب الناجون من كل مكروه ، وأصحاب النار هم الهالكون في الدارين كما وقع في هذه الغزوة لفريقي المؤمنين وبني النضير ومن والاهم من المنافقين ، فشتان ما بينهما .