في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

26

عندئذ ينصرف عن هؤلاء ، في مشهدهم البائس الكئيب ؛ ويدعهم يتلاومون ويتشاتمون . ويتجه بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يسليه عن هذا المصير البائس الذي انتهى إليه فريق من البشر ؛ ويعزيه عن إعراضهم عنه وكفرهم بما جاء به ؛ ويثبته على الحق الذي أوحى إليه ؛ وهو الحق الثابت المطرد من قديم ، في رسالة كل رسول :

( أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين ? فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون . أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون . فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم . وإنه لذكر لك ولقومك ، وسوف تسألون . واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا : أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ? ) . .

وهذا المعنى يتكرر في القرآن تسلية لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبياناً لطبيعة الهدى والضلال ، ورجعهما إلى مشيئة الله وتقديره وحده ؛ وإخراجهما من نطاق وظيفة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ووضع حدود فاصلة بين مجال القدرة الإنسانية المحدودة في أعلى درجاتها عند مرتقى النبوة ، ومجال القدرة الإلهية الطليقة ؛ وتثبيت معنى التوحيد في صورة من أدق صوره ، وفي موضع من ألطف مواضعه :

( أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين ) . .

وهم ليسوا صماً ولا عمياً ، ولكنهم كالصم والعمي في الضلال ، وعدم الانتفاع بالدعاء إلى الهدى ، والإشارة إلى دلائله . ووظيفة الرسول أن يُسمع من يَسمع ، وأن يهدي من يبصر . فإذا هم عطلوا جوارحهم ، وطمسوا منافذ قلوبهم وأرواحهم فما للرسول إلى هداهم من سبيل ؛ ولا عليه من ضلالهم ، فقد قام بواجبه الذي يطيق .

والله يتولى الأمر بعد أداء الرسول لواجبه المحدود :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

36

التفسير :

40- { أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين } .

كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه ، راغبا في دعوتهم للإسلام ، وإنقاذهم من عذاب جهنم ، لكنهم تصامموا عن دعوته ، وأعرضوا عن الإسلام ، وغلبتهم رغباتهم في متعهم ولذائذهم ، وانشغالهم بالخمر والإثم عن تلبية دعوة الإسلام ، فأخبر الله رسوله بأنه لا أمل في هدايتهم ، فطب نفسا ، وقر عينا ، فأنت يا محمد لن تستطيع أن تسمع هؤلاء الكفار ، الذين هم كالصم والعمي ، ومن كان في ضلال واضح ، والمراد بالعمى هنا عمى البصيرة ، والمراد بالصمم انغلاق القلب عن سماع الحق ، ورغبته في اتباع الضلال الواضح ، مثل عبادة الأصنام ، وشرب الخمر ، وارتكاب الفواحش .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)