اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

قوله ( تعالى ){[49886]} : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي . . . } لما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم في هذه الآية بالصمَمِ والعَمَى . وما أحسن هذا الترتيب ، وذلك أن الإنسان في أول اشتغاله يطلب الدنيا يكون كمن حصل بعينه رَمدٌ ضعيف ، ثم لما{[49887]} كان اشتغاله بتلك الأعمال أكثر كان مَيْلُهُ إلى الجُسمانيَّات أشد ، وإعراضه عن الروحانيات أكمل ؛ لأن كثرة المواظبة على الشيء توجب حصول الملكة اللاَزمة لينتقل الإنسان من الرمد إلى أن يصير أعشى ، فإذا واظب على تلك الحال انتقل من كونه أعشى إلى كونه أعمى .

روى أنه عليه الصلاة والسلام ، كان يجتهد في دعاء قومه ، وهم لا يزيدون إلا تصميماً على الكفر وعِناداً في الغي فقال الله تعالى : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي } بمعنى أنهم في النفرة عنك وعن دينك بحيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالصُّمِّ ، وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالعمي{[49888]} .


[49886]:زيادة من أ.
[49887]:في ب كلما بدل لما.
[49888]:انظر الرازي 27/215.