التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

وبعد هذا التوبيخ الشديد للمعرض عن ذكر الله ولشيطانه ، يوجه الله - تعالى - خطابه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ليزيده تسلية وتثبيتا فيقول : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } .

والاستفهام للنفى أى : أفأنت - أيها الرسول الكريم - تستطيع أن تسمع الصم صوتك ، أو أن تهدى الذين انطمست بصائرهم إلى الطريق الحق . أو أن تخرج من كان فى الضلال الواضح إلى الهدى والرشاد ؟

كلا إنك لن تستطيع ذلك ، لأن الهداية والإِضلال ، من الله - تعالى - وحده . وأنت - أيها الرسول الكريم - عليك البلاغ ونحن علينا الحساب .

فالقصود من الآية الكريمة تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونهيه من أن يضيق صدره بسبب إعراضهم المستمر عن دعوة الحق ، وبيان أن الهداية والإِضلال بيد الله - تعالى - وحده .

وسماهم - سبحانه - صما وعميا ، مع أنهم يسمعون ويبصرون ، لأنهم بمنزلة الصم والعمى فى عدم انتفاعهم بالهدى والرشاد الذى جاءهم به - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله - تعالى - : { وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } معطوف على العمى والصم باعتبار تغاير الصفات .

أى : أنت - أيها الرسول الكريم - لن تستطيع هداية من كان أصم وأعمى ، ومن كان مصرا على الضلال المبين وما ذام الأمر كذلك فسر فى طريقك ، دون أن تذهب نفسك عليهم حسرات . .