فسوى : بين خلقه في الإحكام والإتقان .
الذي أحسن خلق الخلائق على غير مثال سابق ، وجعلها متساوية في الإحكام والإتقان ، حسبما اقتضته حكمته ، ومنح كل مخلوق ما يناسب طبيعته ووظيفته ، صنعة العليم الخبير : الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين . ( السجدة : 7 ) .
وقال تعالى : وخلق كل شيء فقدّره تقديرا . ( الفرقان : 2 ) . ونظّم وأبدع وأكمل .
وقال تعالى : ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت . . . ( الملك : 3 ) .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
الذي خلق الأشياء فسوّى خلقها ، وعدّلها والتسوية: التعديل . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدها : أن يكون سوّاه على ما قدره خلافا لأفعال الخلق لأن الفعل من الخلق يخرج مرة سويا على ما قدّره ، ومرة بخلافه .
الثاني : أن يكون سوى الخلق كله في دلالة وحدانيته وشهادته ؛ فما من خلق خلقه إلا إذا تفكر فيه العاقل دلت خلقته على معرفة الصانع ووحدانية الرب .
الثالث : أن يكون سوّاه على ما فيه مصلحته ومنفعته .
الرابع : أن يكون سواه على ما له خلق . ألا ترى أن الإنسان إذا أمر بالركوع والسجود ، خلقه من وجه يتمكن من الركوع والسجود ؟ فهذا معنى قولنا : إنه سواه على ما له خلق ، والله أعلم . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أي خلق كل شيء فسوّى خلقه تسوية ، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم ، ولكن على إحكام واتساق ، ودلالة على أنه صادر عن عالم ، وأنه صنعة حكيم . ...
أما قوله تعالى : { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى } فاعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمر بالتسبيح ، فكأن سائلا قال : الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد المعرفة ، فما الدليل على وجود الرب ؟ فقال : { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى } واعلم أن الاستدلال بالخلق والهداية هي الطريقة المعتمدة عند أكابر الأنبياء عليهم السلام ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ الذي خلق } أي أوجد من العدم أي له صفة الإيجاد لكل ما أراده لا يعسر عليه شيء { فسوّى } أي أوقع مع الإيجاد وعقبه التسوية في كل خلق بأن جعل له ما يتأتى معه كماله ويتم معاشه ، وعدل بين الأمزجة الأربعة الماء والهواء والنار بعد أن قهرها على الجمع مع التضاد لئلا تتفاسد ، وذلك بالعلم التام والقدرة الكاملة دلالة على تمام حكمته وفعله بالاختيار .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة : { الذي خلق فسوى } اشتملت على وصفين : وصف الخلق ووصف تسويه الخلق ، وحذف مفعول { خلق } فيجوز أن يقدر عامّاً ، وهو ما قدره جمهور المفسرين ، وروي عن عطاء ، وهو شأن حذف المفعول إذا لم يدل عليه دليل ، أي خلق كل مخلوق فيكون كقوله تعالى حكاية عن قول موسى : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] . ويجوز أن يقدر خاصاً ، أي خلق الإنسان كما قدره الزجاج ، أو خلق آدم كما روي عن الضحاك ، أي بقرينة قرن فعل { خلق } بفعل « سوى » قال تعالى : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } [ الحجر : 29 ] الآية . وعطف جملة : { فسوى } بالفاء دون الواو للإِشارة إلى أن مضمونها هو المقصود من الصلة وأن ما قبله توطئة له .....فالفاء من قوله : { فسوى } للتفريع في الذكر باعتبار أن الخلق مقدم في اعتبار المعتبر على التسويه ، وإن كان حصول التسويه مقارناً لحصول الخلق . والتسوية : تسويةُ ما خلقَه فإن حمل على العموم فالتسوية أنْ جعل كل جنس ونوع من الموجودات معادِلاً ، أي مناسباً للأعمال التي في جبلته... ولكونه مقارناً للخلقة عطف على فعل { خلق } بالفاء المفيدة للتسبب ، أي ترتَّبَ على الخَلق تسويتُه . والتقديرُ : وضْعُ المقدارِ وإيجادُه في الأشياء في ذواتها وقواها ، يقال : قَدَّر بالتضعيف وقدَر بالتخفيف بمعنىً . وقرأ الجمهور بالتشديد وقرأها الكسائي وحده بالتخفيف . والمقدار : أصله كمية الشيء التي تُضبط بالذرع أو الكيل أو الوزن أو العَدّ ، وأطلق هنا على تكوين المخلوقات على كيفيات منظّمة مطردة من تركيب الأجزاء الجسدية الظاهرة مثل اليدين ، والباطنة مثل القلب ، ومن إيداع القُوى العقلية كالحس والاستطاعة وحِيلَ الصناعة . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وبعد ذكر هاتين الصفتين ( الربّ والأعلى ) ، تذكر الآيات التالية خمس صفات تبيّن ربوبية اللّه العليا . . : ( الذي خلق فسوّى ) ( سوّى ) : من ( التسوية ) ، وهي الترتيب والتنظيم ، ويضم هذا المفهوم بين جناحيه كلّ أنظمة الوجود ، مثل : النظام السماوي بنجومه وكواكبه ، والأنظمة الحاكمة على المخلوقات في الأرض ، ولاسيما الإنسان من حيث الروح والبدن . ... أمّا ما قيل ، من كونها إشارة إلى نظام اليد أو العين أو اعتدال القامة ، فهذا في واقعه لا يتعدى أن يكون إلاّ بيانا لمصداق محدود من مصاديق هذا المفهوم الواسع . وعلى أيّة حال ، فنظام عالم الخليقة ، بدءاً من أبسط الأشياء ، كبصمات الأصابع التي أشارت إليها الآية ( 4 ) من سورة القيامة ( بلى قادرين على أن نسوّي بنانه ) ، وانتهاءً بأكبر منظومة سماوية ، كلها شواهد ناطقة على ربوبية اللّه سبحانه وتعالى ، وأدلة إثبات قاطعة على وجوده عزّ وجلّ .
ولما كان الإبداع أدل ما يكون مع التنزه{[72826]} على الكمال لا سيما النور الذي هو سبب الانكشاف والظهور ، مع أنه تفصيل{[72827]} لقوله " مم خلق " وهو أدل شيء على البعث المذكور " في يوم-{[72828]} تبلى السرائر " قال مبيناً للفاعل الذي أبهمه لوضوحه في " مم خلق " مرغباً في الفكر في أفعاله سبحانه وتعالى الذي هو السبب الأقرب للسعادة بالدلالة عليه بما له من الجائزات بعد الترغيب في الذكر الذي هو المهيىء للفكر : { الذي خلق } أي أوجد من العدم أي له صفة الإيجاد لكل ما أراده{[72829]} لا يعسر عليه شيء { فسوّى } أي أوقع{[72830]} مع الإيجاد وعقبه التسوية في كل خلق بأن جعل له ما يتأتى معه{[72831]} كماله ويتم معاشه ، وعدل بين الأمزجة الأربعة الماء والهواء والنار بعد أن قهرها على الجمع مع التضاد لئلا تتفاسد ، وذلك بالعلم التام والقدرة الكاملة دلالة على تمام حكمته وفعله بالاختيار .
وقال الاستاذ أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى مخبراً{[72832]} عن عمه{[72833]} الكفار في ظلام حيرتهم
{ إنهم يكيدون كيداً }[ الطارق : 15 ] وكان وقوع ذلك من العبيد المحاط بأعمالهم ودقائق أنفاسهم وأحوالهم من أقبح مرتكب وأبعده{[72834]} عن المعرفة بشيء من عظيم أمر الخالق جل جلاله وتعالى علاؤه وشأنه ، أتبع سبحانه ذلك بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتنزيه ربه الأعلى عن شنيع اعتدائهم وافك افترائهم ، فقال { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى :1 ] أي نزهه عن قبيح مقالهم ، وقدم التنبيه على التنزيه في أمثال هذا ونظائره ووقوع ذلك أثناء السور و-{[72835]} فيما بين سورة وأخرى ، وأتبع سبحانه وتعالى من التعريف بعظيم قدرته وعليّ حكمته بما يبين ضلالهم فقال { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى } [ الأعلى : 2 - 3 ] فتبارك الله أحسن الخالقين ، وتنزه عما يتقوله{[72836]} المفترون - انتهى .