السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ} (2)

ولما أمر تعالى بالتسبيح فكان سائلاً قال : الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد المعرفة فما الدليل على وجود الرب تعالى ؟ فقال تعالى : { الذي خلق فسوى } . أي : أوجد من العدم فله صفة الإيجاد لكل ما أراده لا يعسر عليه شيء { فسوّى } أي : مخلوقه . وقال الرازي : يحتمل أن يريد الناس خاصة ، ويحتمل أن يريد الحيوان ، ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه تعالى ، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوهاً : أحدها : اعتدال قامته وحسن خلقه ، كما قال تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى : { فتبارك الله أحسن الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] . ثانيها : كل حيوان مستعدّ لنوع واحد من الأعمال فقط ، أمّا الإنسان فإنه خلق بحيث يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات . ثالثها : أنه تعالى هيأه للتكليف والقيام بأداء العبادات . وقال بعضهم : خلق في أصلاب الآباء وسوّى في أرحام الأمّهات .

ومن حمله على جميع الحيوانات فمعناه : أنه أعطى كل حيوان ما يحتاج إليه من الآلات والأعضاء ، ومن حمله على جميع المخلوقات كان المراد من التسوية : هو أنه تعالى قادرٌ على كل الممكنات ، عالمٌ بجميع المعلومات ، يخلق ما أراد على وفق إرادته موصوفاً بالأحكام والإتقان ، مبرّأٌ عن النقص والاضطراب .