{ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم سَبِّحِ اسم رَبّكَ الاعلى } أي نزه أسماءه عز وجل عما لا يليق فلا تؤول مما ورد منها اسماً من غير مقتض ولا تبقه على ظاهره إذا كان ما وضع له مما لا يصح له تعالى ولا تطلقه على غيره سبحانه أصلاً إذا كان مختصاً كالاسم الجليل أو على وجه يشعر بأنه تعالى والغير فيه سواء إذ لم يكن مختصاً فلا تقل لمن أعطاك شيئاً مثلا هذا رازقي على وجه يشعر بذلك وصنه عن الابتذال والتلفظ به في محل لا يليق به كالخلاء وحالة التغوط وذكره لا على وجه الخشوع والتعظيم وربما يعد مما لا يليق ذكره عند من يكره سماعه من غير ضرورة إليه وعن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه إنه كان إذا لم يجد ما يعطي السائل يقول ما عندي ما أعطيك أو ائتني في وقت آخر أو نحو ذلك ولا يقول نحو ما يقول الناس يرزقك الله تعالى أو يبعث الله تعالى لك أو يعطيك الله تعالى أو نحوه فسئل عن ذلك فقال إن السائل أثقل شيء على سمعه وأبغضه إليه قول المسؤول ما يفيده رده وحرمانه فأنا أجل اسم الله سبحانه من أن أذكره لمن يكره سماعه ولو في ضمن جملة وهذا منه رضي الله تعالى عنه غاية في الورع وما ذكر من التفسير مبني على الظاهر من أن لفظ اسم غير مقحم وذهب كثير إلى أنه مقحم وهو قد يقحم لضرب من التعظيم على سبيل الكناية ومنه قول لبيد
: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *** فالمعنى نزه ربك عما لا يليق به من الأوصاف واستدل لهذا بما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت { فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم } قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم ومن المعلوم أن المجهول فيهما سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى وبما أخرج الإمام أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا { سَبِّحِ اسم رَبّكَ الاعلى } قال سبحان ربي الأعلى وروي عبد بن حميد وجماعة أن علياً كرم الله تعالى وجهه قرأ ذلك فقال سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القرآن قال لا إنما أمرنا بشيء ففعلته وفي الكشاف تسبيح اسمه تعالى تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي الحاد في أسمائه سبحانه كالجبر والتشبيه مثلاً وان يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم فجعل المعنيين على ما قيل راجعين إلى الاسم وان كان الأول بالحقيقة راجعاً إليه عز وجل لكن كما يصح أن يقال نزع الذات عما لا يصح له من الأوصاف أن يقال أيضاً نزه أسماءه تعالى الدالة على الكمال عما لا يصح فيه من خلافه وليس المعنى الأول مبنياً على أن لفظ اسم مقحم ولا على أن المراد به المسمى إطلاقاً لاسم الدال على المدلول نعم قال به بعضهم هنا وهو إن كان للأخبار السابقة كما في دعوى الاقحام فلا بأس وإن كان لظن أن التسبيح لا يكون للألفاظ الموضوعة له تعالى فليس بشيء لفساد هذا الظن بظهور أن التسبيح يكون لها كما سمعت وقد قال الإمام إنه كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته جل وعلا عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لذلك عن الرفث وسوء الأدب ومن هذا يعلم ما في التعبير عنه تعالى شأنه بنحو ليلى ونعم كما يدعي ذلك في قول ابن الفارض قدس سره :
أبرق بدا من جانب الغور لامع *** أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
إذا أنعمت نعم علي بنظرة *** فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل
إلى غير ذلك من أبياته وقد عاب ذلك بعض الأجبلة وعده من سوء الأدب ومخالفاً لقوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } [ الأعراف : 180 ] الآية وأجاب بعضهم بان ذلك لبس من الوضع في شيء وفهم الحضرة الإلهية من تلك الألفاظ إنما هو بطريق الاشارة كما قالوا في فهم النفس الأمارة من البقرة مثلا في قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } [ البقرة : 67 ] والمنكر لا يقنع بهذا والأظهر أن يقال إن الكلام المورد فيه ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية ولا نظر فيها تشبيه المفردات بالمفردات فليس فيه التعبير عنه وجل بليلى ونحوها واستعمال الاستعارة التمثيلية في شأنه تعالى مما لا بأس به حتى إنهم قاوله في البسملة كما لا يخفى على من تتبع رسائلهم فيها هذا ولعل عندهم خيراً منه وقال جمع الاسم بمعنى التسمية والمعنى نزه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له سبحانه معظم ولذكره جل شأنه محترم وأنت تعلم أن هذا يندرج في تسبيح الاسم كما تقدم وعن ابن عباس أن المعنى صل باسم ربك الأعلى كما تقول ابدأ باسم الله تعالى وحذف حرف الجر حكاه في البحر ولا أظن صحته وقال عصام الدين لا يبعد أن يراد الاسم الأثر أي سبح آثار ربك الأعلى عن النقصان فإن أثره تعالى دال عليه سبحانه كالاسم فيكون منعاً عن عيب المخلوقات أي من حيث أنها مخلوقة له تعالى وعلى وجه ينافي قوله تعالى { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } [ الملك : 3 ] ولا يخفى بعده وإن كان فيما بعد من الصفات ما يستأنس به له وأنا أقول إن كان سبح بمعنى نزع فكلا الأمرين من كون اسم مقحماً وكونه غير مقحم وتعلق التسبيح به على الوجه الذي سمعت محتمل غير بعيد وإذا كان معناه قل سبحان كما هو المعروف فيما بينهم فكونه مقحماً متعين إذ لم يسمع سلفاً وخلفاً من يقول سبحان اسم ربي الأعلى أو سبحان اسم الله والأخبار ظاهرة في ذلك وحمل ما فيها على اختيار الأخصر المستلزم لغيره كما ترى ويؤيد هذا قراءة أبي بن كعب كما في خبر سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن جبير سبحان ربي الأعلى وأما ما قيل من أن الاسم عين المسمى واستدل عليه بهذه الآية ونحوها فهو مما لا يعول عليه أصلاً وقد تقدم الكلام أول الكتاب فارجع إليه ان أردته والأعلى صفة للرب وأريد بالعلو والعلو بالقهر والاقتدار لا بالمكان لاستحاله عليه سبحانه والسلف وان لم يؤولوه بذلك لكنهم أيضاً يقولون باستحالة العلو المكاني عليه عز وجل وجوز جعله صفة لاسم وعلوه ترفعه عن أن يشاركه اسم في حقيقة معناه واستشكل بأن قوله تعالى : { الذى خَلَقَ } الخ إن كان صفة للرب كما هو الظاهر لزم الفصل بين الموصوف وصفته بصفة غيره وهو لا يجوز فلا يقال رأيت غلام هند العاقل الحسنة وان كان صفة لاسم أيضاً اختل المعنى إذ الاسم لا يتصف بالخلق وما بعده وأجيب باختيار الثاني ولا اختلال إما لأن الاسم بمعنى المسمى أو لأنه لما كان مقحماً كان { اسم ربك } [ الأعلى : 1 ] بمنزلة ربك فصح وصفه بما يوصف به الرب عز وجل وفيه نظر والجواب المقبول إن الذي على ذلك التقدير اما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح ومفعول خلق محذوف ولذا قيل بالعموم أي الذي خلق كل شيء { فسوى } أي فجعله متساويوياً وهو أصل معناه والمراد فجعل خلقه كما تقتضيه حكمته سبحانه في ذاته وصفاته وفي معناه ما قيل أي فجعل الأشياء سواء في باب الأحكام والإتقان لا انه سبحانه أتقن بعضاً دون بعض ورد بما دلت عليه الآية من العموم على المعتزلة في زعمهم إن العبد خالق لأفعاله والزمخشري مع أن مذهبه مذهبهم قال هنا بالعموم ولعله لم يرد العموم الحقيقي أو أراده لكن على معنى خلق كل شيء إما بالذات أو بالواسطة وجعل ذلك في أفعال العباد بأقداره سبحانه وتمكينهم على خلقها باختيارهم وقدرهم الموهوبة لهم وعن الكلبي خلق كل ذي روح فسوى بين يديه وعينيه ورجليه وعن الزجاج خلق الإنسان فعدل قامته ولم يجعله منكوساً كالبهائم وفي كل تخصيص لا يقتضيه ظاهر الحذف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.