نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ} (2)

ولما كان الإبداع أدل ما يكون مع التنزه{[72826]} على الكمال لا سيما النور الذي هو سبب الانكشاف والظهور ، مع أنه تفصيل{[72827]} لقوله " مم خلق " وهو أدل شيء على البعث المذكور " في يوم-{[72828]} تبلى السرائر " قال مبيناً للفاعل الذي أبهمه لوضوحه في " مم خلق " مرغباً في الفكر في أفعاله سبحانه وتعالى الذي هو السبب الأقرب للسعادة بالدلالة عليه بما له من الجائزات بعد الترغيب في الذكر الذي هو المهيىء للفكر : { الذي خلق } أي أوجد من العدم أي له صفة الإيجاد لكل ما أراده{[72829]} لا يعسر عليه شيء { فسوّى } أي أوقع{[72830]} مع الإيجاد وعقبه التسوية في كل خلق بأن جعل له ما يتأتى معه{[72831]} كماله ويتم معاشه ، وعدل بين الأمزجة الأربعة الماء والهواء والنار بعد أن قهرها على الجمع مع التضاد لئلا تتفاسد ، وذلك بالعلم التام والقدرة الكاملة دلالة على تمام حكمته وفعله بالاختيار .

وقال الاستاذ أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى مخبراً{[72832]} عن عمه{[72833]} الكفار في ظلام حيرتهم

{ إنهم يكيدون كيداً }[ الطارق : 15 ] وكان وقوع ذلك من العبيد المحاط بأعمالهم ودقائق أنفاسهم وأحوالهم من أقبح مرتكب وأبعده{[72834]} عن المعرفة بشيء من عظيم أمر الخالق جل جلاله وتعالى علاؤه وشأنه ، أتبع سبحانه ذلك بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتنزيه ربه الأعلى عن شنيع اعتدائهم وافك افترائهم ، فقال { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى :1 ] أي نزهه عن قبيح مقالهم ، وقدم التنبيه على التنزيه في أمثال هذا ونظائره ووقوع ذلك أثناء السور و-{[72835]} فيما بين سورة وأخرى ، وأتبع سبحانه وتعالى من التعريف بعظيم قدرته وعليّ حكمته بما يبين ضلالهم فقال { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى } [ الأعلى : 2 - 3 ] فتبارك الله أحسن الخالقين ، وتنزه عما يتقوله{[72836]} المفترون - انتهى .


[72826]:من م، وفي الأصل و ظ: التنزيه.
[72827]:من ظ و م، وفي الأصل: لفصل.
[72828]:زيد من ظ و م.
[72829]:من ظ، وفي الأصل و م: أراد.
[72830]:زيد في الأصل: التسوية،ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72831]:من ظ و م، وفي الأصل: مع.
[72832]:من ظ و م، وفي الأصل: مكبرا.
[72833]:من ظ و م، وفي الأصل: عامة.
[72834]:من ظ، وفي الأصل و م: أبعد.
[72835]:زيد من م.
[72836]:من م، وفي الأصل و ظ: يقوله.