هذه هي البداية . أما النهاية فلا تقل عنها إعجازا ولا غرابة . وإن كانت مثلها من مشاهدات البشر المألوفة :
( نحن قدرنا بينكم الموت ، وما نحن بمسبوقين ) . .
هذا الموت الذي ينتهي إليه كل حي . . ما هو ? وكيف يقع ? وأي سلطان له لا يقاوم ?
إنه قدر الله . . ومن ثم لا يفلت منه أحد ، ولا يسبقه فيفوته أحد . . وهو حلقة في سلسلة النشأة التي لا بد أن تتكامل . .
قدرنا بينكم الموت : قضينا به بينكم ، وكتبناه عليكم .
وما نحن بمسبوقين : وما نحن بعاجزين ولا مغلوبين .
على أن نبدل أمثالكم : نأتي بخلق مثلكم ( فتح القدير ) .
وننشئكم فيما لا تعلمون : وننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا ، فيجمَّل المؤمن ببياض وجهه ، ويقبح الكافر بسواد وجهه .
60 ، 61- { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
حكمنا بالموت على كل إنسان من أهل السماوات والأرض ، وقد ساوى الله بين أهل السماوات والأرض ، سواء في ذلك الشريف والوضيع ، والأمير والصعلوك .
قال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت . . . } ( آل عمران : 185 ) .
وقال عز شأنه : { كل من عليها فان*ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } . ( الرحمن : 26-27 ) .
وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ . وما نحن بعاجزين ولا مغلوبين .
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ . فنذهب بكم ، ونأتي بخلق جديد أطوع لله منكم .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيز }ٍ . ( فاطر : 15-17 ) .
قال الزجاج : إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم ، لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا .
{ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
ولسنا بعاجزين أيضا أن نعيدكم يوم القيامة في خلقة لا تعلمونها ، ولا تصل إليها عقولكم ، والغرض أن الله قادر على أن يهلكهم ، وأن يعيدهم ، وأن يبعثهم يوم القيامة ، ففي الآية تهديد واحتجاج على البعث .
المعنى : إنا لقادرون على الأمرين معا ، على خلق ما يماثلكم ، وما لا يماثلكم ، فكيف نعجز عن إعادتكم .
المعنى : وننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا ، فيحشر المؤمن أبيض الوجه ، ويحشر الكافر أسود الوجه .
ولما كان الجواب : أنت الخالق وحدك ، وكان الطبيعي ربما قال : اقتضى ذلك الحرارة المخمرة{[62173]} للنطفة ، وكانت المفاوتة للآجال مع المساواة في اسمية الحياة من الدلائل العظيمة على تمام القدرة على الإفناء والإبداء بالاختيار مبطلة لقول أهل الطبائع دافعة لهم ، أكد ذلك الدليل بقوله : { نحن } أي بما لنا من العظمة لا غيرنا { قدرنا } أي تقديراً عظيماً ، لا يقدر سوانا على نقض شيء منه { بينكم } أي كلكم لم نترك أحداً منكم بغير حصة منه { الموت } أي أوجبناه على مقدار معلوم لكل أحد لا يتعداه ، فقصرنا عمر هذا وربما كان في الأوج من قوة البدن وصحة المزاج ، فلو اجتمع الخلق كلهم على إطالة عمره ما قدروا أن يؤخروه لحظة ، وأطلنا عمر هذا وقد يكون في الحضيض من ضعف البدن واضطراب المزاج فلو تمالؤوا على تقصيره طرفة عين لعجزوا ، وأنتم معترفون بأنه سبحانه رتب أفعاله على مقتضى الكمال والقدرة والحكمة البالغة ، فلو كانت فائدة الموت مجرد القهر لكانت نقصاً لكونه يعم الغني والفقير والظالم والمظلوم ، ولكان جعل الإنسان مخلداً أولى وأحكم ، ففائدته غير مجرد القهر وهي الحمل على إحسان العمل للقاهر خوفاً من العرض عليه والمحاسبة بين يديه ثم النقلة إلى دار الجزاء والترقية إلى العلوم التي البدن حجابها من تمييز الخبيث والطيب والعلم بمقادير الثواب والعقاب ، وغير ذلك مما يبصره أولو الألباب .
ولما كان حاصل الموت أنه تغيير الصورة التي كانت إلى غيرها ، وكان من قدر على تحويل صورة شيء إلى شيء قدر على تحويلها إلى شيء آخر مماثل لذلك الشيء قال : { وما نحن } أي على ما لنا من العظمة ، وأكد النفي فقال : { بمسبوقين * } أي بالموت ولا عاجزين ولا مغلوبين
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.