فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، فتبع هذه النفخة تلك الحركة الهائلة : ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) . . ومشهد حمل الأرض والجبال ونفضها ودكها دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها . . مشهد مروع حقا . هذه الأرض التي يجوس الإنسان خلالها آمنا مطمئنا ، وهي تحته مستقرة مطمئنة . وهذه الجبال الراسية الوطيدة الراسخة التي تهول الإنسان بروعتها واستقرارها . . هذه مع هذه تحمل فتدك كالكرة في يد الوليد . . إنه مشهد يشعر معه الإنسان بضآلته وضآلة عالمه إلى جانب هذه القدرة القادرة ، في ذلك اليوم العظيم . .
حملت الأرض : رفعت من أماكنها بأمرنا .
فدكّتا : فدقّتا وكسرتا ، أو فسويتا .
وحملت الأرض والجبال فدكّتا دكّة واحدة .
رفعت الأرض والجبال من أماكنها ، وضرب بعضها ببعض ، حتى تندقّ وتتفتت ، وتصير كثيبا مهيلا .
وقيل : المراد : فبسطتا بسطة واحدة ، وسويتا فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، أي لا تبصر انخفاضا ولا ارتفاعا .
قوله تعالى : " وحملت الأرض والجبال " قراءة العامة بتخفيف الميم ، أي رفعت من أماكنها . " فدكتا " أي فتتا وكسرتا . " دكة واحدة " لا يجوز في " دكة " إلا النصب لارتفاع الضمير في " دكتا " . وقال الفراء : لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة ، والأرض كالجملة الواحدة . ومثله : " أن السموات والأرض كانتا رتقا{[15304]} " [ الأنبياء : 30 ] ولم يقل كن . وهذا الدك كالزلزلة ، كما قال تعالى : " إذا زلزلت الأرض زلزالها " [ الزلزلة : 1 ] . وقيل : " دكتا " أي بسطتا بسطة واحدة ، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره . وقد مضى في سورة " الأعراف{[15305]} " القول فيه . وقرأ عبدالحميد عن ابن عامر " وحملت الأرض والجبال " بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني . كأنه في الأصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملائكتنا الأرض والجبال ، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني فبني له . ولو جيء بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه ، فكأنه قال : وحملت قدرتنا الأرض . وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال : حُمِّلَت الأرضُ الملَك ؛ كقولك : أُلبِس زيدٌ الجبة ، وأُلبِست الجبةُ زيداً .
ولما ذكر التأثير {[67973]}في الإحياء{[67974]} ، أتبعه التأثير في الجمادات ، وبدأ بالسفليات لملابستها للإنسان{[67975]} فتكون عبرته بها أكثر فقال : { وحملت } أي بمجرد القدرة { الأرض } أي{[67976]} المنبسطة ورجت رجاً { والجبال } أي{[67977]} التي بها ثباتها فرفعت{[67978]} من أماكنها ، وبستا بساً فكانت هباء منبثاً ، لم يبق فيهما حجر ولا كدية .
ولما أريد قوة الدك والإبلاغ في تأثيره ، جعل الجبال شيئاً واحداً فقال : { فدكتا } أي مسحت الجملتان الأرض و{[67979]}أوتادها وبسطتا{[67980]} ودق بعضها ببعض { دكة واحدة * } أي فصارتا كثيباً مهيلاً وسويتا بأيسر أمر فلم يميز شيء منهما من الآخر ، بل صارا في غاية الاستواء ، من قولهم : ناقة دكاء ، أي لا سنام لها . وأرض دكاء ، أي متسعة مستوية ، قالوا : والدك والدق - أخوان ، والدك أبلغ ، قال أبو حيان{[67981]} : والدك فيه تفرق الأجزاء ، والدق فيه اختلاط{[67982]} الأجزاء .
قوله : { وحملت الأرض والجبال فدكّتا دكّة واحدة } أي رفعت الأرض والسماء بفعل الملائكة أو بقدرة الله من غير سبب { فدكّتا دكّة واحدة } دكتا ، من الدك وهو الدق . ودكّه إذ ضربه وكسره حتى سواه بالأرض . والدكداك من الرمل ما التبد منه بالأرض{[4617]} والمعنى : ضرب بعضها ببعض حتى تندق فتصير كثيبا مهيلا مركوما وهباء منبثا منثورا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.