ثم يعلن على رؤوس الأشهاد ما أعد لهذا الناجي من النعيم ، الذي تبدو فيه هنا ألوان من النعيم الحسي ، تناسب حال المخاطبين إذ ذاك ، وهم حديثو عهد بجاهلية ، ولم يسر من آمن منهم شوطا طويلا في الإيمان ، ينطبع به حسه ، ويعرف به من النعيم ما هو أرق وأعلى من كل متاع :
( فهو في عيشة راضية . في جنة عالية . قطوفها دانية . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) . .
وهذا اللون من النعيم ، مع هذا اللون من التكريم في الالتفات إلى أهله بالخطاب وقوله : ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) . . فوق أنه اللون الذي تبلغ إليه مدارك المخاطبين بالقرآن في أول العهد بالصلة بالله ، قبل أن تسمو المشاعر فترى في القرب من الله ما هو أعجب من كل متاع . . فوق هذا فإنه يلبي حاجات نفوس كثيرة على مدى الزمان . والنعيم ألوان غير هذا وألوان . .
هذا المؤمن يأخذ كتابه بيمينه ، ويدخل الجنة راضيا مرضيا ، فهو في عيشة هنيئة سعيدة ، راض صاحبها بالجنة والنعيم والحبور ، أو هو في عيشة مرضية ، يرضى بها صاحبها ولا يبغضها ، فهي فاعل بمعنى مفعول ، على حدّ قولهم : ماء دافق بمنعنى مدفوق ، أي أن المعيشة لو كان لها عقل لرضيت لنفسها بحالتها ، ولفرحت بها فرحا عظيما .
وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ، ويصحّون فلا يمرضون أبدا ، وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ، ويشبّون فلا يهرمون أبدا )ix
" فهو في عيشة راضية " أي في عيش يرضاه لا مكروه فيه . وقال أبو عبيدة والفراء : " راضية " أي مرضية ، كقولك : ماء دافق ، أي مدفوق . وقيل : ذات رضا ، أي يرضى بها صاحبها . مثل لابن وتامر ، أي صاحب اللبن والتمر . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ويصحون فلا يمرضون أبدا وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ويشبون فلا يهرمون أبدا ) .
ولما كان تقدير{[68056]} هذا واضحاً ، سبب عند ما تأثر عن{[68057]} الحساب اليسير من إعطاء الثواب فقال : { فهو في عيشة } أي حالة من العيش .
ولما كان الرضى بالشيء لا يكون إلا إذا بلغ نهاية السؤل وغاية المأمول ، قال مسنداً الرضا إلى العيشة كناية عن رضا صاحبها على الوجه الأبلغ : { راضية * } أي ثابت له الرضا ودائم لها{[68058]} لأنها في غاية الحسن والكمال ، والعرب لا تعبر عن أكثر السعادات بأكثر من العيشة الراضية بمعنى أن أهلها راضون بها ، والمعتبر في كمال اللذة الرضى أو{[68059]} أنه لو كان للعيشة عقل لرضيت لنفسها بحالتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.