موتتنا الأولى : الموتة التي نموتها في الدنيا ، ثم لا نحيا ولا نبعث بعدها .
بمنشرين : بمبعوثين بعد الموت ، يقال : نشر الله الميت وأنشره ، أي : أحياه بعد الموت .
34 ، 35- { إن هؤلاء ليقولون * إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين } .
إن مشركي مكة لينكرون البعث والحشر والجزاء ، ومن ثم يقولون : سنموت مرة واحدة في الدنيا ، وبعد الموت لا حشر ولا نشر ولا بعث ولا حساب ، وهذا كقوله تعالى : { وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين } . ( الأنعام : 29 ) .
{ 34-37 } { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ * إِ نْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ * فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }
يخبر تعالى { إِنَّ هَؤُلَاءِ } المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور : { إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } أي : ما هي إلا الحياة الدنيا فلا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار .
" إن هي إلا موتتنا الأولى " ابتداء وخبر ، مثل : " إن هي إلا فتنتك " {[13739]} [ الأعراف : 155 ] ، " إن هي إلا حياتنا الدنيا " {[13740]} [ المؤمنون : 37 ] " وما نحن بمنشرين " أي بمبعوثين . أنشر الله الموتى فنشروا . وقد تقدم{[13741]} . والمنشورون المبعوثون . قيل : إن قائل هذا من كفار قريش أبو جهل ، قال : يا محمد ، إن كنت صادقا في قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا : أحدهما : قصي بن كلاب فإنه كان رجلا صادقا ؛ لنسأله عما يكون بعد الموت . وهذا القول من أبي جهل من أضعف الشبهات ؛ لأن الإعادة إنما هي للجزاء لا للتكليف ، فكأنه قال : إن كنت صادقا في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف . وهو كقول قائل : لو قال إن كان ينشأ بعدنا قوم من الأبناء ، فلم لا يرجع من مضى من الآباء ، حكاه الماوردي .
ولما ثبت بما مضى أنه سبحانه متصف بالإحياء والإماتة ، وكان إنكار ذلك عناداً لا يستطيع أحد{[57567]} يثبت الإله أن ينكره ، وكان الإقرار بذلك في بعض وإنكاره {[57568]}في بعض{[57569]} تحكماً ومخالفاً{[57570]} لحاكم العقل وصارم النقل ، وكان من الآيات التي أوتوها إحياؤهم بعد إماتتهم حين طلبوا الرؤية فأخذتهم الصاعقة ، وحين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وكان ذلك هو البعث بعينه ، وكان العرب ينكرونه ويبالغون في إنكارهم له{[57571]} ولا يسألونهم عنه ، قال موبخاً لهم مشيراً بالتأكيد إلى أنه لا يكاد يصدق أن أحداً ينكر ذلك لما له من الأدلة : { إن } وحقرهم بقوله : { هؤلاء } أي الأدنياء الأقلاء الأذلاء { ليقولون * } أي بعد قيام الحجة البالغة عليهم مبالغين في الإنكار في نظير تأكيد الإثبات : { إن } أي ما .
ولما كان قد تقدم قوله تعالى { يحيي ويميت } وهم يعلمون أن المراد به أنه يتكرر منه الإحياء للشخص الواحد ، وكان تعالى قد قال ولا يخاطبهم إلا بما يعرفونه{ وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون }[ البقرة : 28 ] أي بالانتشار{[57567]} بعد الحياة [ و-{[57568]} ]قال{ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين }[ غافر : 11 ] قالوا : ما { هي إلا موتتنا } على حذف مضاف أي ما الحياة إلا حياة موتتنا { الأولى } أي التي كانت قبل نفخ الروح - كما سيأتي في الجاثية { إن [ هي-{[57569]} ] إلا{[57570]} حياتنا الدنيا } و{[57571]}عبروا عنها بالموتة{[6]} إشارة إلى أن الحياة في جنب الموت المؤبد على زعمهم أمر متلاش لا نسبه لها منه ، وساق سبحانه كلامهم على {[7]}هذا الوجه{[8]} إشارة إلى أن الأمور [ إذا قيس-{[9]} ] غائبها على شاهدها ، كان الإحياء بعد الموتة الثانية أولى لكونه بعد حياة من الإحياء بعد [ الموتة-{[10]} ] الأولى ، فحط{[11]} الأمر على{[12]} أن الابتداء{[13]} كان من موت لم يتقدمه حياة ، والقرار{[14]} يكون على حياة لا يعقبها موت .
ولما كان المعنى : وليس وراءها حياة ، أكدوه بما يفهمه {[15]}تصريحاً فقالوا{[16]} برد ما أثبته{[17]} الله على [ لسان-{[18]} ] رسوله صلى الله عليه وسلم : { وما نحن } وأكدوا النفي فقالوا : { بمنشرين * } أي من منشر ما بالبعث بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت ، يقال : نشره وأنشره - إذا أحياه .