مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنۡ هِيَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِينَ} (35)

ثم بين كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ، ثم رجع إلى الحديث الأول ، وهو كون كفار مكة منكرين للبعث ، فقال : { إن هؤلاء ليقولون * إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين } فإن قيل القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية فكان من حقهم أن يقولوا : إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين ؟ قلنا إنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تعقبها حياة ، كما أنكم حال كونكم نطفا كنتم أمواتا وقد تعقبها حياة ، وذلك قوله { وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فقالوا إن هي إلا موتتنا الأولى } يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية ، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقيب الحياة لها إلا الموتة الأولى خاصة ، فلا فرق إذا بين هذا الكلام .

وبين قوله { إن هي إلا حياتنا الدنيا } هذا ما ذكره صاحب «الكشاف » : ويمكن أن يذكر فيه وجه آخر ، فيقال قوله { إن هي إلا موتتنا الأولى } يعني أنه لا يأتينا شيء من الأحوال إلا الموتة الأولى ، وهذا الكلام يدل على أنهم لا تأتيهم الحياة الثانية البتة ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا { وما نحن بمنشرين } فلا حاجة إلى التكلف الذي ذكره صاحب «الكشاف » .

ثم قال تعالى : { وما نحن بمنشرين } يقال نشر الله الموتى وأنشرهم إذا بعثهم .