الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنۡ هِيَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِينَ} (35)

فإن قلت : كان الكلام واقعاً في الحياة الثانية لا في الموت ، فهلا قيل : إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين ؟ كما قيل : { إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين } [ الأنعام : 29 ] ؟ وما معنى قوله : { إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى } ؟ وما معنى ذكر الأولى ؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى ؟ قلت : معناه والله الموفق للصواب - : أنه قيل لهم : إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة ، كما تقدّمتكم موتة قد تعقبتها حياة ، وذلك قوله عزّ وجل : { وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] فقالوا : ( إن هي إلا موتتنا الأولى ) يريدون : ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية ، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة ، فلا فرق إذاً بين هذا وبين قوله : { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا } في المعنى . يقال : أنشر الله الموتى ونشرهم : إذا بعثهم .