في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

سأل سائل بعذاب واقع ، للكافرين ليس له دافع ، من الله ذي المعارج ، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فاصبر صبرا جميلا ، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ، يوم تكون السماء كالمهل ، وتكون الجبال كالعهن ، ولا يسأل حميم حميما ، يبصرونهم ، يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ، وصاحبته وأخيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه . كلا ! إنها لظى ، نزاعة للشوى ، تدعو من أدبر وتولى ، وجمع فأوعى . .

كانت حقيقة الآخرة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي العرب ؛ ولقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة ، وكانوا يتلقونها بغاية العجب والدهش والاستغراب ؛ وينكرونها أشد الإنكار ، ويتحدون الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في صور شتى أن يأتيهم بهذا اليوم الموعود ، أو أن يقول لهم : متى يكون .

وفي رواية عن ابن عباس أن الذي سأل عن العذاب هو النضر بن الحارث . وفي رواية أخرى عنه : قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم .

وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائلا سأل وقوع العذاب واستعجله . وتقرر أن هذا العذاب واقع فعلا ، لأنه كائن في تقدير الله من جهة ، ولأنه قريب الوقوع من جهة أخرى . وأن أحدا لا يمكنه دفعه ولا منعه . فالسؤال عنه واستعجاله - وهو واقع ليس له من دافع - يبدو تعاسة من السائل المستعجل ؛ فردا كان أو مجموعة !

وهذا العذاب للكافرين . . إطلاقا . . فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر . وهو واقع من الله ( ذي المعارج ) . . وهو تعبير عن الرفعة والتعالي ، كما قال في السورة الأخرى : ( رفيع الدرجات ذو العرش ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

أهوال القيامة

بسم اله الرحمان الرحيم

{ سأل سائل بعذاب واقع 1 للكافرين ليس له دافع 2 من الله ذي المعارج 3 تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة 4 فاصبر صبرا جميلا 5 إنهم يرونه بعيدا 6 ونراه قريبا 7 يوم تكون السماء كالمهل 8 وتكون الجبال كالعهن 9 ولا يسأل حميم حميما 10 يبصّرونهم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه 11 وصاحبته وأخيه 12 وفصيلته التي تؤويه 13 ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه 14 كلاّ إنها لظى 15 نزّاعة للشوى 16 تدعوا من أدبر وتولّى 17 وجمع فأوعى 18* }

المفردات :

سأل سائل : دعا داع .

ليس له دافع : إنه واقع لا محالة ، ونازل وحاصل ، لا مانع يردّه .

المعارج : واحدها معرج وهو المصعد ( أسانسير ) ، أي صاحب المصاعد والدرجات التي تصعد فيها الملائكة من سماء إلى سماء .

الروح : جبريل عليه السلام .

1

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- سأل سائل بعذاب واقع* للكافرين ليس له دافع* من الله ذي المعارج* تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

دعا داع ، وطلب كافر من كفار مكة لنفسه ولقومه نزول عذاب واقع لا محالة ، والسائل هو النضر ابن الحارث ، من صناديد قريش وطواغيتها ، لما خوّفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال استهزاء : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . ( الأنفال : 32 ) .

فأهلكه الله يوم بدر ، ومات شرّ ميتة ، ونزلت الآية بذمّه ، وهذا العذاب نازل بالكافرين لا محالة ، لا يستطيع أحد أن يدفعه أو يمنعه ، لأنه من الله الغالب ، ولا يغلب الله غالب .

من الله ذي المعارج .

هذا العذاب نازل وصادر من الله تعالى ، صاحب المصاعد التي تصعد منها الملائكة وتنزل بأمره ووحيه .

تعرج الملائكة والروح إليه . . .

تصعد الملائكة وجبريل الأمين من سماء إلى سماء ، إلى عرش الرحمان ، حيث تهبط أوامره سبحانه وتعالى ، ويد القدرة تمسك بزمام هذا الكون ، وترفع السماء ، وتبسط الأرض ، وتسخّر السحاب والفضاء ، وتيسّر مصاعد الملائكة إليه ومعها أعمال العباد .

روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الفجر ، اقرؤوا إن شئتم قول الله تعالى : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا . ( الإسراء : 78 ) . فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربّهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : يا ربنا ، تركناهم وهم يصلّون ، وأتيناهم وهم يصلّون ، فاغفر لهم يوم الدّين )iv .

والملائكة عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

أي : ذلك العذاب واقع لهؤلاء الكفار في يوم طويل ، يمتد إلى خمسين ألف سنة .

قال ابن عباس : هو يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ، ثم يدخلون النار للاستقرار .

والجمع بين هذه الآية ، وبين قوله تعالى : في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون . ( السجدة : 5 ) .

أن القيامة مواقف ومواطن ، فيها خمسون موطنا ، كل موطن ألف سنة ( وأن هذه المدة الطويلة تخفّ على المؤمن حتى تكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا )v .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

ليس له دافع : لا يستطيع أحد رده .

لن يستطيع أحدٌ ردَّه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

{ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ } أي : ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل ، من متمردي المشركين ، أحد يدفعه قبل نزوله ، أو يرفعه بعد نزوله ، وهذا حين دعا النضر بن الحارث القرشي أو غيره من المشركين{[1223]}  فقال : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } إلى آخر الآيات .


[1223]:- في ب: المكذبين.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

{ للكافرين } على الكافرين وهو النضر بن الحارث حين قال { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الآية { ليس له دافع } ليس لذلك العذاب الذي يقع بهم دافع

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

قوله تعالى : " سأل سائل بعذاب واقع " قرأ نافع وابن عامر " سال سايل " بغير همزة . الباقون بالهمز . فمن همز فهو من السؤال . والباء يجوز أن تكون زائدة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن . والسؤال بمعنى الدعاء ، أي دعا داع بعذاب ، عن ابن عباس وغيره . يقال : دعا على فلان بالويل ، ودعا عليه بالعذاب . ويقال : دعوت زيدا ، أي التمست إحضاره . أي التمس ملتمس عذابا للكافرين ، وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة . وعلى هذا فالباء زائدة ، كقوله تعالى : " تنبت بالدهن{[15328]} " [ المؤمنون : 20 ] ، وقوله . " وهزي إليك بجذع النخلة{[15329]} " [ مريم : 25 ] فهي تأكيد . أي سأل سائل عذابا واقعا . " للكافرين " أي على الكافرين . وهو النضر بن الحارث حيث قال : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم{[15330]} " [ الأنفال : 32 ] فنزل سؤاله ، وقتل يوم بدر صبرا{[15331]} هو وعقبة بن أبي معيط ، لم يقتل صبرا غيرهما ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري . وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك ، ونزكي أموالنا فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا ! أفهذا شيء منك أم من الله ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله ) فولّى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ؛ فنزلت : " سأل سائل بعذاب واقع " الآية . وقيل : إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك ، قاله الربيع . وقيل : إنه قول جماعة من كفار قريش . وقيل : هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين . وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار ، وهو واقع بهم لا محالة . وامتد الكلام إلى قوله تعالى : " فاصبر صبرا جميلا " [ المعارج : 5 ] أي لا تستعجل فإنه قريب . وإذا كانت الباء بمعنى عن - وهو قول قتادة - فكأن سائلا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع . قال الله تعالى : " فاسأل به خبيرا{[15332]} " [ الفرقان : 59 ] أي سل عنه . وقال علقمة :

فإن تسألوني بالنِّسَاء فإنني *** بصيرٌ بأدواءِ النساءِ طبيبُ

أي عن النساء . ويقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون .

فقال الله : " للكافرين " . قال أبو علي وغيره : وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما . وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر ، فيكون التقدير سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب . ومن قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما : أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش ، تقول العرب : سال يسال ، مثل نال ينال وخاف يخاف . والثاني : أن يكون من السيلان ، ويؤيده قراءة ابن عباس " سال سيل " . قال عبدالرحمن بن زيد : سال واد من أودية جهنم ، يقال له : سائل ؛ وقول زيد بن ثابت . قال الثعلبي : والأول أحسن ، كقول الأعشى{[15333]} في تخفيف الهمزة :

سالتاني الطلاق إذ رأتاني *** قلّ مالي قد جئتماني بنكر

وفي الصحاح : قال الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وقد تخفف همزته فيقال : سال يسال . وقال :

ومُرْهِقٍ سال إمتاعا بِأُصْدَته *** لم يستَعِن وحَوَامِي الموتِ تَغْشَاهُ{[15334]}

المرهق : الذي أدرك ليقتل . والأُصدة بالضم : قميص صغير يلبس تحت الثوب . المهدوي : من قرأ " سال " جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا ، وهو البدل على غير قياس . وجاز أن تكون الألف منقلبة عن واو على لغة من قال : سلت أسال ، كخفت أخاف . النحاس : حكى سيبويه سلت أسال ، مثل خفت أخاف ، بمعنى سألت . وأنشد :

سالت هذيلٌ رسول الله فاحشة *** ضلت هذيل بما سالت ولم تُصِبِ{[15335]}

ويقال : هما يتساولان . المهدوي : وجاز أن تكون مبدلة من ياء ، من سال يسيل . ويكون سايل واديا في جهنم ، فهمزة سايل على القول الأول أصلية ، وعلى الثاني بدل من واو ، وعلى الثالث بدل من ياء . القشيري : وسائل مهموز ؛ لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز ، وإن كان من غير الهمز كان مهموزا أيضا ؛ نحو قائل وخائف ؛ لأن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا . ولم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس ، فكان بالقلب إلى الهمزة ، ولك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين . " واقع " أي يقع بالكفار بين أنه من الله ذي المعارج . وقال الحسن : أنزل الله تعالى : " سأل سائل بعذاب واقع " فقال لمن هو ؟ فقال للكافرين ، فاللام في الكافرين متعلقة " بواقع " . وقال الفراء : التقدير بعذاب للكافرين واقع ، فالواقع من نعت العذاب واللام دخلت للعذاب لا للواقع ، أي هذا العذاب للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد . وقيل إن اللام بمعنى على ، والمعنى : واقع على الكافرين . وروي أنها في قراءة أبي كذلك . وقيل : بمعنى عن ، أي ليس له دافع عن الكافرين من الله .


[15328]:راجع جـ 12 ص 114.
[15329]:راجع جـ 11 ص 94.
[15330]:راجع جـ 81 ص 398.
[15331]:الصبر: نصب الإنسان للقتل.
[15332]:راجع جـ 13 ص 63.

[15333]:لم نجد البيت في شعر الأعشين. وفي كتاب سيبويه (جـ 1 ص 291، جـ 2 ص 170) أنه لزيد بن عمرو ابن نفيل القرشي. وعلق عليه الأعلم الشنتمري أنه يروي لنبيه بن الحجاج.
[15334]:لم يستعن، أي لم يحلق عانته. وحوامي الموت وحوائمه: أسبابه. قال ابن بري: أنشده أبو علي الباهلي غيث بن عبد الكريم لبعض العرب يصف رجلا شريفا، ارْتُثَّ في بعض المعارك فسألهم أن يمنعوه بقميصه، أي لا يسلب.
[15335]:البيت لحسان بن ثابت.