في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا} (6)

ثم يبعد في ظاهر الأمر عن موضوع ذلك النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون . ليلتقي به بعد قليل . يبعد في جولة قريبة في هذا الكون المنظور مع حشد من الكائنات والظواهر والحقائق والمشاهد ، تهز الكيان حين يتدبرها الجنان :

( ألم نجعل الأرض مهادا ? والجبال أوتادا ? وخلقناكم أزواجا ? وجعلنا نومكم سباتا ? وجعلنا الليل لباسا ? وجعلنا النهار معاشا ? وبنينا فوقكم سبعا شدادا ? وجعلنا سراجا وهاجا ? وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ? لنخرج به حبا ونباتا ، وجنات ألفافا ? ) . .

وهذه الجولة التي تتنقل في أرجاء هذا الكون الواسع العريض ، مع هذا الحشد الهائل من الصور والمشاهد ، تذكر في حيز ضيق مكتنز من الألفاظ والعبارات ، مما يجعل إيقاعها في الحس حادا ثقيلا نفاذا ، كأنه المطارق المتوالية ، بلا فتور ولا انقطاع ! وصيغة الاستفهام الموجهة إلى المخاطبين - وهي في اللغة تفيد التقرير - صيغة مقصودة هنا ، وكأنما هي يد قوية تهز الغافلين ، وهي توجه أنظارهم وقلوبهم إلى هذا الحشد من الخلائق والظواهر التي تشي بما وراءها من التدبير والتقدير ، والقدرة على الإنشاء والإعادة ، والحكمة التي لا تدع أمر الخلائق سدى بلا حساب ولا جزاء . . ومن هنا تلتقي بالنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون !

واللمسة الأولى في هذه الجولة عن الأرض والجبال :

( ألم نجعل الأرض مهادا ، والجبال أوتادا ? ) . .

والمهاد : الممهد للسير . . والمهاد اللين كالمهد . . وكلاهما متقارب . وهي حقيقة محسوسة للإنسان في أي طور من أطوار حضارته ومعرفته . فلا تحتاج إلى علم غزير لإدراكها في صورتها الواقعية . وكون الجبال أوتادا ظاهرة تراها العين كذلك حتى من الإنسان البدائي ؛ وهذه وتلك ذات وقع في الحس حين توجه إليها النفس .

غير أن هذه الحقيقة أكبر وأوسع مدى مما يحسها الإنسان البدائي لأول وهلة بالحس المجرد . وكلما ارتقت معارف الإنسان وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون وأطواره ، كبرت هذه الحقيقة في نفسه ؛ وأدرك من ورائها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق الحكيم ، والتنسيق بين أفراد هذا الوجود وحاجاتهم ؛ وإعداد هذه الأرض لتلقي الحياة الإنسانية وحضانتها ؛ وإعداد هذا الإنسان للملاءمة مع البيئة والتفاهم معها .

وجعل الأرض مهادا للحياة - وللحياة الإنسانية بوجه خاص - شاهد لا يمارى في شهادته بوجود العقل المدبر من وراء هذا الوجود الظاهر . فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض هكذا بجميع ظروفها . أو اختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الحياة لتعيش في الأرض . . الاختلال هنا أو هناك لا يجعل الأرض مهادا ؛ ولا يبقي هذه الحقيقة التي يشير إليها القرآن هذه الإشارة المجملة ، ليدركها كل إنسان وفق درجة معرفته ومداركه . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا} (6)

المفردات :

الأرض مهادا : فراشا موطّأ للاستقرار عليها .

التفسير :

6- ألم نجعل الأرض مهادا .

ألم نجعل الأرض التي تسكنونها ممهدة كالفراش ، تنامون عليها ، وتسيرون فوق طرقها ، وتنتفعون بنباتها وخيراتها ، وتتأملون البساتين والرياحين والبحار والأنهار فيها .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا} (6)

قوله تعالى : " ألم نجعل الأرض مهادا " دلهم على قدرته على البعث ، أي قدرتنا على إيجاد هذه الأمور أعظم من قدرتنا على الإعادة . والمهاد : الوطاء والفراش . وقد قال تعالى : " الذي جعل لكم الأرض فراشا " [ البقرة : 22 ] وقرئ " مهدا " . ومعناه أنها لهم كالمهد للصبي وهو ما يمهد له فينوم عليه

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا} (6)

ولما حقق{[71069]} لهم أمره تحقيق من هو على غاية الوثوق بما يقول ، دل على ذلك بما لا يحتمل شكاً ولا وقفة أصلاً ، فقال مقرراً لهم ومنكراً عليهم التساؤل بما ندب إليه من التأمل وقرر به من النظر في باهر آياته وغرائب مخلوقاته التي أبدعها-{[71070]} من العدم دلالة تامة عظمية على كمال القدرة مع تمام الحكمة الموجب للقطع بكل ما نبهت عليه الرسل من الشرائع والبعث والجزاء بادئاً بما هم له-{[71071]} أشد ملابسة وهو الظرف : { ألم نجعل } أي بما لنا من العظمة { الأرض مهاداً * } أي فراشاً لكم موطئاً مذللاً يمكن الاستقرار عليه لتتصرفوا فيها كما شئتم


[71069]:من ظ، وفي الأصل: أحق، وفي م: حق.
[71070]:زيد من ظ.
[71071]:زيد من ظ و م.