مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا} (6)

قوله تعالى : { ألم نجعل الأرض مهادا }

اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم إنكار البعث والحشر ، وأراد إقامة الدلالة على صحة الحشر قدم لذلك مقدمة في بيان كونه تعالى قادرا على جميع الممكنات عالما بجميع المعلومات ، وذلك لأنه مهما ثبت هذان الأصلان ثبت القول بصحة البعث ، وإنما أثبت هذين الأصلين بأن عدد أنواعا من مخلوقاته الواقعة على وجه الإحكام والإتقان ، فإن تلك الأشياء من جهة حدوثها تدل على القدرة ، ومن جهة إحكامها وإتقانها تدل على العلم ، ومتى ثبت هذان الأصلان وثبت أن الأجسام متساوية في قبول الصفات والأعراض ، ثبت لا محالة كونه تعالى قادرا على تخريب الدنيا بسمواتها وكواكبها وأرضها ، وعلى إيجاد عالم الآخرة ، فهذا هو الإشارة إلى كيفية النظم .

واعلم أنه تعالى ذكر ههنا من عجائب مخلوقاته أمورا فأولها : قوله : { ألم نجعل الأرض مهادا } والمهاد مصدر ، ثم ههنا احتمالات ( أحدها ) : المراد منه ههنا الممهود ، أي ألم نجعل الأرض ممهودة وهذا من باب تسمية المفعول بالمصدر ، كقولك هذا ضرب الأمير ( وثانيها ) : أن تكون الأرض وصفت بهذا المصدر ، كما تقول : زيد جود وكرم وفضل ، كأنه لكماله في تلك الصفة صار عين تلك الصفة ( وثالثها ) : أن تكون بمعنى ذات مهاد ، وقرئ مهدا ، ومعناه أن الأرض للخلق كالمهد للصبي ، وهو الذي مهد له فينوم عليه .

واعلم أنا ذكرنا في تفسير سورة البقرة عند قوله : { جعل لكم الأرض فراشا } كل ما يتعلق من الحقائق بهذه الآية .