تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا} (6)

الآية 6 : ثم في قوله تعالى : { ألم نجعل الأرض مهادا } جواب عما سبق من المسائل : فإذا كان السائل عن أمر الرسالة فحقه أن يحمل على جهة غير الجهة التي يحمل{[22994]} عليها إذا صرف التساؤل إلى أمر البعث وإلى أمر التوحيد أو القرآن .

والأصل فيه أن الله تعالى بما ذكر من مهاد الأرض وخلق الأزواج ذكر عباده عظيم نعمه وكثرة إحسانه إليهم ليستأدي منهم الشكر . وإذا وقعت لهم الحاجة إلى الشكر احتاجوا إلى من يعرفهم بما به يشكر الله تعالى ، وكيف يؤدى شكره ، إذ لا يعرف في كل وجه شكرها إلا بالتوفيق ، فيضطرهم ذلك إلى من يبين لهم ، واحتاجوا إلى من يعرفهم الوعد والوعيد محل الشكر{[22995]} ومحل الكفر{[22996]} ومحل الولاية{[22997]} ومحل المعاداة{[22998]} ؛ إذ وجدوا هذه الدنيا تمنّ على الأولياء وعلى الأعداء على حالة واحدة ، فاحتاجوا إلى من يعرفهم الوعد والوعيد ، وأوجب ما ذكرنا القول بالبعث ليظهر به منزلة الشكور والكفور .

وفي ذكر هذه النعم أيضا دلالة الوحدانية لأن الله تعالى مهد الأرض ، فجعلها متمتعا للخلق ، وأخرج منها ما يتعيشون به ، وجعل/ 622 – ب/ سبب الإخراج ما ينزل من السماء من القطر ، فجعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء .

فلو لم يكن مدبرهما واحدا لانقطع الاتصال ، ثم لو أراد أحد أن يعرف المعنى الذي يقع له إحياء الأشياء بالماء لم يصل إليه ، ولو أرادوا أن يتداركوا الوجه الذي صلح هذا الطعام أن يكون سببا لدفع الحاجات وقطع الشهوات لم يقفوا عليه ، فيكون في ما ذكرنا إزالة الشبه والشكوك التي تعترض لهم في الأمور الخارجة عن تدبيرهم وقواهم .

وقوله تعالى : { كلا سيعلمون }{ ثم كلا سيعلمون }فمنهم من ذكر[ أنّ ]{[22999]} هذا وعيد ، وقد ذكرنا أن حرف الوعيد مما يكرره العرب في ما بينهم للتأكيد [ كما قال ]{[23000]} : { * هيهات هيهات لما توعدون }[ المؤمنون : 36 ] وقال : {[23001]}{ أولى لك فأولى }{ ثم أولى لك فأولى }[ القيامة : 34و35 ] .

وجائز أن يكون قوله : { كلا سيعلمون } على علم دلالة ، وقوله تعالى : { ثم كلا سيعلمون } على علم المشاهدة والعيان .


[22994]:في الأصل و م: يحتمل.
[22995]:في الأصل و م: الشكور.
[22996]:في الأصل و م: الكفور.
[22997]:في الأصل و م: الوالي.
[22998]:في الأصل و م: المعادي.
[22999]:ساقطة من الأصل و م.
[23000]:في الأصل و م: كما يقال.
[23001]:في الأصل و م: و.