في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

وتنتهي هذه الجولة في العالم الآخر ، فيؤوب منها إلى هذا الوجود الظاهر . الحاضر . الموحي بقدرة القادر وتدبير المدبر ، وتميز الصنعة ، وتفرد الطابع . الدال على أن وراء التدبير والتقدير أمرا بعد هذه الحياة ، وشأنا غير شأن الأرض . وخاتمة غير خاتمة الموت :

( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف نصبت ، وإلى الأرض كيف سطحت ? ) . .

وتجمع هذه الآيات الأربعة القصار ، أطراف بيئة العربي المخاطب بهذا القرآن أول مرة . كما تضم أطراف الخلائق البارزة في الكون كله . حين تتضمن السماء والأرض والجبال والجمال [ ممثلة لسائر الحيوان ] على مزية خاصة بالإبل في خلقها بصفة عامة وفي قيمتها للعربي بصفة خاصة .

إن هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان . . السماء والأرض والجبال والحيوان . . وأيا كان حظ الإنسان من العلم والحضارة فهذه المشاهد داخلة في عالمه وإدراكه . موحية له بما وراءها حين يوجه نظره وقلبه إلى دلالتها .

والمعجزة كامنة في كل منها . وصنعة الخالق فيها معلمة لا نظير لها . وهي وحدها كافية لأن توحي بحقيقة العقيدة الأولى . ومن ثم يوجه القرآن الناس كافة إليها :

( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ? ) . . والإبل حيوان العربي الأول . عليها يسافر ويحمل . ومنها يشرب ويأكل . ومن أوبارها وجلودها يلبس وينزل . فهي مورده الأول للحياة . ثم إن لها خصائص تفردها من بين الحيوان . فهي على قوتها وضخامتها وضلاعة تكوينها ذلول يقودها الصغير فتنقاد ، وهي على عظم نفعها وخدمتها قليلة التكاليف . مرعاها ميسر ، وكلفتها ضئيلة ، وهي أصبر الحيوان المستأنس على الجوع والعطش والكدح وسوء الأحوال . . ثم إن لهيئتها مزية في تناسق المشهد الطبيعي المعروض كما سيجيء . .

لهذا كله يوجه القرآن أنظار المخاطبين إلى تدبر خلق الإبل ؛ وهي بين أيديهم ، لا تحتاج منهم إلى نقلة ولا علم جديد . . ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ? ) . . أفلا ينظرون إلى خلقتها وتكوينها ? ثم يتدبرون : كيف خلقت على هذا النحو المناسب لوظيفتها ، المحقق لغاية خلقها ، المتناسق مع بيئتها ووظيفتها جميعا ! إنهم لم يخلقوها . وهي لم تخلق نفسها ، فلا يبقى إلا أن تكون من إبداع المبدع المتفرد بصنعته ، التي تدل عليه ، وتقطع بوجوده ؛ كما تشي بتدبيره وتقديره .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

مظاهر الكون ، وختام السورة

{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت 17 وإلى السماء كيف رفعت 18 وإلى الجبال كيف نصبت 19 وإلى الأرض كيف سطحت 20 فذكّر إنما أنت مذكّر 21 لست عليهم بمصيطر 22 إلا من تولّى وكفر 23 فيعذّبه الله العذاب الأكبر 24 إنّ إلينا إيابهم 25 ثم إن علينا حسابهم 26 }

المفردات :

ينظرون : يتأملون فيدركون .

الإبل : الجمال ، والإبل اسم جمع لا واحد له من لفظه ، يصدق على القليل والكثير .

التفسير :

يستعرض القرآن أدلة القدرة ، ويلفت النظر إلى مشاهد موحية للإنسان ، بأن هذا الجمال في هذا الكون دليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى :

17- أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت .

أفلا يتأمّلون في هذا الحيوان العجيب ، طويل القامة ، طويل الرقبة ، إنه ذو قدرة على حمل الأثقال يجلس فيحمل الأحمال الثقيلة ، ثم يقوم بنفسه ، وله صبر على عدم شرب الماء يصل إلى سبعة أو ثمانية أيام ، ويخضع للطفل الصغير .

قال العباس بن مرداس :

ترى الرجل النحيف فتزدريه *** وتحت ثيابه أسد مزير

ويعجبك الطرير فتبتليه *** فيخلف ظنّك الرجل الطرير

فما عظم الرجال لهم بفخر *** ولكن فخرهم كرم وخير

لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير

وتضربه الوليدة بالهراوى *** فلا غير لديه ولا نكير

ويكتفي الجمل في المرعى بما تيسر له من الشوك والشجر ، وترى الجمل أعجب ما عند العرب ، فهو عدّتهم في السفر والحضر ، حتى سمّي الجمل سفينة الصحراء ، كما أنهم ينتفعون بلحوم الجمال وألبانها وأوبارها .

والعربي يقع نظره على البعير ، ثم ينظر إلى السماء فوقه ، وإلى الأرض تحته ، وإلى الجبال بجواره ، فكانت المراعاة في جمع هذه الأشياء للدلالة على قدرة الله المبدعة التي أبدعت نظام هذا الكون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

{ 17 - 26 } { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }

يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولغيرهم من الناس ، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده : { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي : [ ألا ] ينظرون إلى خلقها البديع ، وكيف سخرها الله للعباد ، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها .