في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت . لا ظلم اليوم . إن الله سريع الحساب ) . .

اليوم يوم الجزاء الحق . اليوم يوم العدل . اليوم يوم القضاء الفصل . بلا إمهال ولا إبطاء .

ويخيم الجلال والصمت ، ويغمر الموقف رهبة وخشوع ، وتسمع الخلائق وتخشع ، ويقضى الأمر ، وتطوى صحائف الحساب .

ويتسق هذا الظل مع قوله عن الذين يجادلون في آيات الله - في مطلع السورة - : ( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) . . فهذه نهاية التقلب في الأرض ، والاستعلاء بغير الحق ، والتجبر والتكبر والثراء والمتاع .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

10

17- { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } .

في ذلك اليوم – يوم القيامة- يلقى كل إنسان جزاء عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشرّ ، وفي ذلك اليوم يكون القصاص والجزاء العادل من الله لعباده ، ويقتص للمظلوم من الظالم .

جاء في " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " للإمام جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ه ما يأتي :

أخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن جابر رضي الله عنه قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم في القصاص ، فأتيت بعيرا فشددت علي رحلي ، ثم سرت إليه شهرا ، حتى قدمت مصرا فأتيت عبد الله بن أنيس ، فقلت له : حديث بلغني عنك في القصاص ، فقال : سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الله العباد حفاة عراة غرلا " ، قلنا : ما هما ؟ قال : " ليس معهم شيء ، ثم يناديهم يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قرُب ، أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وعنده مظلمة حتى أقصه منها ، حتى اللطمة " ، قلنا : كيف وأن نأتي الله غرلا بهما ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم . . . } .

وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذنوب ثلاث : فذنب يُغفر ، وذنب لا يُغفر ، وذنب لا يترك منه شيء . فالذنب الذي يُغفر ، العبد يذنب الذنب فيستغفر الله فيغفر له ، وأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك ، وأما الذنب الذي لا يترك منه شيء ، فمظلمة الرجل أخاه ، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما : { اليوم تجزى كل نفس بما كسب لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } . يؤخذ للشاة الجماء من ذات القرون بفضل نطحها .

وتفيد السنّة المطهرة شدة الهول ، ونزاهة القضاء والعدالة في استحقاق المظالم ، وأخذ كل ذي حق حقّه ، وقصاص المقتول من القاتل ، وليس في ذلك اليوم درهم ولا دينار ، وإنما هي الحسنات والسيئات ، فمن كانت عليه مظالم للعباد ، أخذ العباد منه الحسنات ما يكافئ مظالمهم ، وإذا فنيت حسناته ، طُرحت عليه من سيئات المظلومين ثم ألقى به في جهنم .

قال تعالى : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } .

فهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، بل يحاسب الناس جميعا في وقت واحد ، كما يرزقهم في وقت واحد .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

قوله تعالى : " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت " أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت " من خير أو شر . " لا ظلم اليوم " أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله . " إن الله سريع الحساب " أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب ؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره ، وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " {[13364]} . وفي الخبر : ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .


[13364]:راجع ج 2 ص 435 طبعة ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

ولما أخبر عن إذعان كل نفس بانقطاع الأسباب ، أخبرهم بما يزيد رعبهم ، ويبعث رغبهم ورهبهم ، وهو نتيجة تفرده بالملك فقال : { اليوم تجزى } أي تقضى وتكافأ ، بناه للمفعول لأن المرغب المرهب نفس الجزاء ولبيان سهولته عليه سبحانه { كل نفس } لا تترك نفس واحدة لأن العلم قد شملهم والقدرة قد أحاطت بهم وعمتهم ، والحكمة قد منعت من إهمال أحد منهم .

ولما كان السياق للملك والقهر يقتضي الجزاء واعتماد الكسب الذي هو محط التكليف بالأمر والنهي ويقتضي النظر في الأسباب ، لأن ذلك شأن الملك ، قال معبراً بالباء والكسب : { بما } أي بسبب ما { كسبت } أي عملت ، وهي تظن أنه يفيدها سواء بسواء بالكيل الذي كالت يكال لها .

ولما كانت السببية مفهمة للعدل ، فإن الزيادة تكون بغير سبب ، قال معللاً نافياً مثل ما كانوا يتعاطونه من ظلم بعضهم لبعض في الدنيا : { لا ظلم } أي بوجه من الوجوه { اليوم } ولما كان استيفاء الخلائق بالمجازاة أمراً لا يمكن في العادة ضبطه ، ولا يتأنى حفظه وربطه ، فكيف إذا قصدت المساواة في مثاقيل الذر فما دونها :

بميزان قسط لا يخيس شعيرة *** له شاهد من نفسه غير عائل

ضافت النفوس من خوف الطول ، فخفف عنها بقوله معلماً أن أموره على غير ما يعهدونه ، ولذلك أكد وعظم باظهار الاسم الأعظم : { إن الله } أي التام القدرة الشامل العلم { سريع الحساب * } أي بليغ السرعة فيه ، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره في وقت حساب ذلك الغير ، ولا يشغله شأن عن شأن لأنه لا يحتاج إلى تكلف عد ، ولا يفتقر إلى مراجعة كتاب ، ولا شيء ، فكان في ذلك ترجية للفريقين وتخويف ، لأن الظالم يخشى إسراع الأخذ بالعذاب ، والمؤمن يرجو إسراع البسط بالثواب .