في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

ثم يأخذ السياق في التهكم بهم وبإعراضهم عن دلائل الهدى في الدنيا . وهم في ذلك المشهد أسمع الناس وأبصر الناس :

( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ، لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ) . .

فما أعجب حالهم ! . . لا يسمعون ولا يبصرون حين يكون السمع والبصر وسيلة للهدى والنجاة . وهم أسمع شيء وأبصر شيء يوم يكون السمع والبصر وسيلة للخزي ولإسماعهم ما يكرهون وتبصيرهم ما يتقون في مشهد يوم عظيم !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لََكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن حال الكافرين به ، الجاعلين له أندادا ، والزاعمين أن له ولدا يوم ورودهم عليه في الاَخرة : لئن كانوا في الدنيا عميا عن إبصار الحقّ ، والنظر إلى حجج الله التي تدلّ على وحدانيته ، صما عن سماع آي كتابه ، وما دعتهم إليه رسل الله فيها من الإقرار بتوحيده ، وما بعث به أنبياءه ، فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم في الاَخرة ، وأبصرهم يومئذٍ حين لا ينفعهم الإبصار والسماع . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أسْمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ ذاك والله يوم القيامة ، سمعوا حين لا ينفعهم السمع ، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر .

حدثنا الحسن ، قال أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله أسمِعْ بِهِمْ وأبْصرْ قال : أسمعُ قومٍ وأبصرُهُم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال أسمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ يَوْمَ يأْتُوننا يوم القيامة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسن ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : أسمِعْ بحديثهم اليوم وأبْصِرْ كيف يصنع بهم يَوْمَ يأْتُونَنا حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أسمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ يَوْمَ يأْتُونَنا قال : هذا يوم القيامة ، فأما الدنيا فلا ، كانت على أبصارهم غشاوة ، وفي آذانهم وقر في الدنيا فلما كان يوم القيامة أبصروا وسمعوا فلم ينتفعوا ، وقرأ : رَبّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلَ صَالِحا إنا مُوقِنُونَ .

وقوله : لَكِنِ الظّالِمُونَ اليَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول تعالى ذكره : لكن الكافرون الذين أضافوا إليه ما ليس من صفته ، وافتروا عليه الكذب اليوم في الدنيا ، في ضلال مبين يقول : في ذهاب عن سبيل الحقّ ، وأخذ على غير استقامة ، مبين أنه جائر عن طريق الرشد والهدى ، لمن تأمله وفكّر فيه ، فهُدِي لرشده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

{ أسمع بهم وأبصر } صيغتا تعجب ، وهو تعجب على لسان الرسول والمؤمنين ، أو هو مستعمل في التعجيب ، والمعنيان متقاربان ، وهو مستعمل كناية أيضاً عن تهديدهم ، فتعيّن أن التعجيب من بلوغ حالهم في السوء مبلغاً يتعجب من طاقتهم على مشاهدة مناظره وسماع مكارهه . والمعنى ؛ ما أسمعهم وما أبصرهم في ذلك اليوم ، أي ما أقدرهم على السمع والبَصَر بما يكرهونه . وقريب هو من معنى قوله تعالى : { فما أصبرهم على النار } [ البقرة : 175 ] .

وجُوز أن يكون { أسمع بهم وأبصر } غير مستعمل في التعجب بل صادفَ أن جاء على صورة فعل التعجب ، وإنما هو على أصل وضعه أمر للمخاطب غير المعيّن بأن يَسمع ويُبصر بسببهم ، ومعمول السمع والبصر محذوف لقصد التعميم ليشمل كل ما يصح أن يُسمع وأن يُبصر . وهذا كناية عن التهديد .

وضمير الغائبين عائد إلى ( الذين كفروا ) ، أي أعجب بحالهم يومئذ من نصارى وعبدة الأصنام .

والاستدراك الذي أفاده قوله { لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } راجع إلى ما يفيده التقييد بالظرف في قوله { يوم يأتوننا } من ترقب سوء حالهم يوم القيامة الذي يقتضي الظن بأنهم الآن في سعة من الحال . فأفيد أنهم متلبسون بالضلال المبين وهو من سوء الحال لهم لما يتبعه من اضطراب الرأي والتباس الحال على صاحبه . وتلك نكتة التقييد بالظرف في قوله { اليوم في ضلال مبين } .

والتعبير عنهم ب { الظالمون } إظهار في مقام الإضمار . ونكتته التخلص إلى خصوص المشركين لأن اصطلاح القرآن إطلاق الظالمين على عبدة الأصنام وإطلاق الظلم على عبادة الأصنام ، قال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .