في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

ويرد الرسل . . لا ينكرون بشريتهم بل يقررونها ، ولكنهم يوجهون الأنظار إلى منة الله في اختيار رسل من البشر ، وفي منحهم ما يؤهلهم لحمل الأمانة الكبرى :

( قالت لهم رسلهم : إن نحن إلا بشر مثلكم . ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) . .

ويذكر السياق لفظ ( يمن ) تنسيقا للحوار مع جو السورة . جو الحديث عن نعم الله . ومنها هذه المنة على من يشاء من عباده . وهي منة ضخمة لا على أشخاص الرسل وحدهم . ولكن كذلك على البشرية التي تشرف بانتخاب أفراد منها لهذه المهمة العظمى . مهمة الاتصال والتلقي من الملأ الأعلى . وهي منة على البشرية بتذكير الفطرة التي ران عليها الركام لتخرج من الظلمات إلى النور ؛ ولتتحرك فيها أجهزة الاستقبال والتلقي فتخرج من الموت الراكد إلى الحياة المتفتحة . . ثم هي المنة الكبرى على البشرية بإخراج الناس من الدينونة للعباد إلى الدينونة لله وحده بلا شريك ؛ واستنقاذ كرامتهم وطاقتهم من الذل والتبدد في الدينونة للعبيد . . الذل الذي يحني هامة إنسان لعبد مثله ! والتبدد الذي يسخر طاقة إنسان لتأليه عبد مثله !

فأما حكاية الإتيان بسلطان مبين ، وقوة خارقة ، فالرسل يبينون لقومهم أنها من شأن الله . ليفرقوا في مداركهم المبهمة المظلمة بين ذات الله الإلهية ، وذواتهم هم البشرية ، وليمحصوا صورة التوحيد المطلق الذي لا يلتبس بمشابهة في ذات ولا صفة ، وهي المتاهة التي تاهت فيها الوثنيات كما تاهت فيها التصورات الكنسية في المسيحية عندما تلبست بالوثنيات الإغريقية والرومانية والمصرية والهندية . وكانت نقطة البدء في المتاهة هي نسبة الخوارق إلى عيسى - عليه السلام - بذاته واللبس بين ألوهية الله وعبودية عيسى عليه السلام !

( وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ) . .

وما نعتمد على قوة غير قوته :

( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

يطلقها الرسل حقيقة دائمة . فعلى الله وحده يتوكل المؤمن ، لا يتلفت قلبه إلى سواه ، ولا يرجو عونا إلا منه ، ولا يرتكن إلا إلى حماه .

/خ27

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نّحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ وَلََكِنّ اللّهَ يَمُنّ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قال الأمم التي أتتهم الرسل لرسلهم إنْ نَحْنُ إلاّ بَشَرَ مِثْلُكُمْ صدقتم في قولكم إنْ أنْتُمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا فما نحن إلا بشر من بني آدم إنس مثلكم ، وَلكِنّ اللّهَ يَمُنّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يقول : ولكن الله يتفضّل على من يشاء من خلقه ، فيهديه ويوفّقه للحقّ ، ويفضله على كثير من خلقه . وَما كانَ لَنا أنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ يقول : وما كان لنا أن نأتيكم بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه إلاّ بإذْنِ اللّهِ يقول : إلا بأمر الله لنا بذلك . وَعلى الله فَلْيَتَوَكّلِ المُؤْمِنُونَ يقول : وبالله فليثق به من آمن به وأطاعه فإنا به نثق وعليه نتوكل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال : السلطان المبين : البرهان والبينة . وقوله : ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطانا قال : بينة وبرهانا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

المعنى : صدقتم في قولكم ، أي بشر مثلكم في الأشخاص والخلقة لكن تبايننا بفضل الله ومنه الذي يختص به من يشاء .

قال القاضي أبو محمد : ففارقوهم في المعنى بخلاف قوله تعالى : { كأنهم حمر }{[7025]} [ المدثر : 50 ] فإن ذلك في المعنى لا في الهيئة .

وقوله : { وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان } هذه العبارة إذا قالها الإنسان عن نفسه أو قيلت له فيما يقع تحت مقدوره - فمعناها النهي والحظر ، وإن كان ذلك فيما لا قدرة له عليه - فمعناها نفي ذلك الأمر جملة ، وكذا هي آيتنا ، وقال المهدوي لفظها لفظ الحظر ومعناها النفي .

واللام في قوله : { ليتوكل } لام الأمر . وقرأها الجمهور ساكنة وقرأها الحسن مكسورة ، وتحريكها بالكسر هو أصلها . وتسكينها طلب التخفيف ، ولكثرة استعمالها وللفرق بينها وبين لام كي التي ألزمت الحركة إجماعاً{[7026]} .


[7025]:الآية (50) من سورة (المدثر).
[7026]:في الآيتين أمران بالتوكل، الأمر الأول وهو قوله تعالى: {فليتوكل المؤمنون} لاستحداث التوكل، والثاني وهو قوله تعالى: {فليتوكل المتوكلون} للثبات على ما استحدثوه من توكلهم، وقوله تعالى: [ولنصبرن] جواب قسم، ويدل على سبق ما يجب فيه الصبر، بمعنى أنه لابد من حدوث شيء يحتاج إلى الصبر، وهو هنا: الأذى.