في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

47

ويتطلع المجرمون ، فتمتليء نفوسهم بالخوف والهلع ، وهم يتوقعون في كل لحظة أن يقعوا فيها . وما أشق توقع العذاب وهو حاضر ، وقد أيقنوا أن لا نجاة منها ولا محيص :

( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ، ولم يجدوا عنها مصرفا )

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

وقوله : وَرَأى المُجْرِمُونَ النّارَ يقول : وعاين المشركون النار يومئذٍ فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقعُوها يقول : فعلموا أنهم داخلوها ، كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقعُوها قال : علموا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدريّ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : «إنّ الكافرَ يَرَى جَهَنّمَ فَيَظُنّ أنّها مُوَاقعَتُهُ مِنْ مَسيرَةِ أرْبَعينَ سَنَةَ » .

وقوله : ولَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفا يقول : ولم يجدوا عن النار التي رأوا معدلاً يعدلون عنها إليه . يقول : لم يجدوا من مواقعتها بدّا ، لأن الله قد حتم عليهم ذلك . ومن المصرف بمعنى المعدل قول أبي كبير الهذليّ :

أزُهَيْرُ هَلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَصْرِفِ *** أمْ لا خُلُودَ لباذِلٍ مُتَكَلّفِ

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

{ ورأى المجرمون النار فظنوا } فأيقنوا . { أنهم مُواقعوها } مخالطوها واقعون فيها . { ولم يجدوا عنها مصرفا } انصرافا أو مكانا ينصرفون إليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

ثم أخبر عز وجل عن رؤية المجرمين النار ، ومعاينتهم لها ، ووقوع العلم لهم بأنهم مباشروها ، وأطلق الناس أن الظن هنا بمعنى اليقين ، ولو قال بدل { ظنوا } وأيقنوا لكان الكلام متسقاً ، على مبالغة فيه ، ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبداً في موضع يقين تام قد قاله الحسن ، بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق ، لكنه لم يقع ذلك المظنون ، وإلا ، فقد يقع ويحسن ، لا يكاد توجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن وتأمل هذه الآية ، وتأمل قول دريد :

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج{[1]} . . . وقرأ الأعمش «فظنوا أنهم ملاقوها » ، وكذلك في مصحف ابن مسعود{[2]} ، وحكى أبو عمرو الداني عن علقمة ، أنه قرأ : «ملافوها » بالفاء مشددة من لففت ، وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة »{[3]} و «المصرف » المعدل ، والمرغ ، ومنه قول أبي كبير الهذلي : [ الكامل ]

أزهير هل عن شيبة بن مصرف . . . أم لا خلود لباذل متكلف{[4]}

وهو مأخوذ من الانصراف من شيء إلى شيء .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

عطف على جملة { وجعلنا بينهم موبقاً } [ الكهف : 52 ] ، أي جعلنا الموبق ورآه المجرمون ، فذكر المجرمين إظهار في مقام الإضمار للدلالة على ما يفيده المجرمون من تلبسهم بما استحقوا به عذاب النار . وكذلك عُبر ب ( النار ) في مقام الإضمار للموبق للدلالة على أن المَوبق هو النار فهو شبيه بعطف البيان .

والظن مستعمل هنا في معنى التحقق وهو من استعمالاته . ولعل اختياره هنا ضرب من التهكم بهم ؛ بأنهم رجحوا أن تلك النار أعدت لأجلهم في حين أنهم موقنون بذلك .

والمواقعة : مفاعلة من الوقوع ، وهو الحصول لقصد المبالغة ، أي واقعون فيها وقوع الشيء الحاصل في موقع يتطلبه فكأنه يقع هو فيه .

والمصرف : مكان الصرف ، أي التخلص والمجاوزة . وفي الكلام إيجاز ، تقديره : وحاولوا الانقلاب أو الانصراف فلم يجدوا عنها مصرفاً ، أي مخلصاً .