البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

{ ورأى المجرمون النار } هي رؤية عين أي عاينوها ، والظن هنا قيل : على موضوعه من كونه ترجيح أحد الجانبين .

وكونهم لم يجزموا بدخولها رجاء وطمعاً في رحمة الله .

وقيل : معنى { فظنوا } أيقنوا قاله أكثر الناس ، ومعنى { مواقعوها } مخالطوها واقعون فيها كقوله { وظنوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه } { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } وقال ابن عطية : أطلق الناس أن الظن هنا بمعنى التيقن ، ولو قال بدل ظنوا أيقنوا لكان الكلام متسقاً على مبالغة فيه ، ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبداً في موضع يقين تام قد ناله الحسن بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق ، لكنه لم يقع ذلك المظنون وإلاّ فمن يقع ويحس لا يكاد يوجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن .

وتأمل هذه الآية وتأمل قول دريد :

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج . . .

انتهى .

وفي مصحف عبد الله ملاقوها مكان { مواقعوها } وقرأه كذلك الأعمش وابن غزوان عن طلحة ، والأولى جعله تفسيراً لمخالفة سواد المصحف .

وعن علقمة أنه قرأ ملافوها بالفاء مشددة من لففت .

وفي الحديث : « إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة » ومعنى { مصرفاً } معدلاً ومراعاً .

ومنه قول أبي كبير الهذلي :

أزهير هل عن شيبة من مصرف ***أم لا خلود لباذل متكلف

وأجاز أبو معاذ { مصرفاً } بفتح الراء وهي قراءة زيد بن عليّ جعله مصدراً كالمضرب لأن مضارعه يصرف على يفعل كيصرف .