اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا} (53)

قوله : { وَرَأَى المجرمون النار } الآية .

{ وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } ، في هذا الظنِّ قولان :

الأول : أنه بمعنى العلم واليقين .

والثاني : قال ابن الخطيب{[21166]} : الأقرب إلى المعنى : أن هؤلاء الكفار يرون النَّاس من مكانٍ بعيدٍ ، فيظنُّون أنهم مواقعوها في تلك السَّاعة ، من غير تأخير من شدَّة ما يسمعون من تغيُّظها وزفيرها ، كقوله : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [ الفرقان : 12 ] .

وقوله : { مُّوَاقِعُوهَا } أي : مخالطوها ؛ فإنَّ مخالطة الشيء لغيره ، إذا كان تامَّة قويَّة ، يقال لها : مواقعة .

قوله : " مَصْرِفاً " المصرف المعدل ، أي : لم يجدوا عنها معدلاً .

قال الهذليُّ : [ الكامل ]

أزُهَيْرُ هَلْ عَن شَيْبةٍ مِنْ مصْرفِ *** أمْ لا خُلودَ لبَاذلٍ مُتكلِّفِ{[21167]}

والمصرف يجوز أن يكون اسم مكانٍ ، أو زمانٍ ، وقال أبو البقاء{[21168]} : " مَصْرِفاً : أي انصرافاً ، ويجوز أن يكون مكاناً " . قال شهاب الدين : وهذا سهوٌ ، فإنه جعل المفعل بكسر العين مصدراً لما مضارعه يفعل بالكسر من الصحيح ، وقد نصُّوا على أنَّ اسم مصدر هذا النوع مفتوح العين ، واسم زمانه ومكانه مكسوراً ، نحو : المَضْرَبُ والمَضْرِبُ .

وقرأ{[21169]} زيد بن عليٍّ " مَصْرَفاً " بفتح الراء جعله مصدراً ؛ لأنه مكسور العين في المضارع ، فهو كالمضرب بمعنى الضَّرب ، وليت أبا البقاء ذكر هذه القراءة ووجَّهه بما ذكره قبل .


[21166]:ينظر: المصدر السابق.
[21167]:وهو أبو كبير الهذلي .ينظر: ديوان الهذليين 2/104، والمجاز 1/407، وتفسير الطبري 1/173، والكشاف 2/568، والماوردي 2/490، ومعاني القرآن للزجاج 3/296 ، وروح المعاني 15/299، واللسان (صرف) والبحر المحيط 6/131، والدر المصون 4/465.
[21168]:ينظر: الإملاء 2/140.
[21169]:ينظر: البحر المحيط 6/131، الدر المصون 4/465.