في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

16

ثم يتحول السخط إلى تهكم مرير : ( يا أخت هارون )النبي الذي تولى الهيكل هو وذريته من بعده والذي تنتسبين إليه بعبادتك وانقطاعك لخدمة الهيكل . فيا للمفارقة بين تلك النسبة التي تنتسبينها وذلك الفعل الذي تقارفينه ! ( ما كان أبوك امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيا )حتى تأتي بهذه الفعلة التي لا يأتيها إلا بنات آباء السوء والأمهات البغايا !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمّكِ بَغِيّاً } .

اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لها : يا أخت هارون ، ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله ، وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته ، فقال بعضهم : قيل لها يا أُخْتَ هارُونَ نسبة منهم لها إلى الصلاح ، لأن أهل الصلاح فيهم كانوا يسمون هارون ، وليس بهارون أخي موسى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : يا أُخْتَ هارُونَ قال : كان رجلاً صالحا في بني إسرائيل يسمى هارون ، فشبّهوها به ، فقالوا : يا شبيهة هارون في الصلاح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ وَما كانَتِ أُمّكِ بَغِيّا قال : كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح ، ولا يُعرفون بالفساد ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به ، وكان هارون مصلحا محببا في عشيرته ، وليس بهارون أخي موسى ، ولكنه هارون آخر . قال : وذُكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفا ، كلهم يسمون هارون من بني إسرائيل .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي صدقة ، عن محمد بن سيرين ، قال : نبئت أن كعبا قال : إن قوله : يا أُخْتَ هارُونَ ليس بهارون أخي موسى ، قال : فقالت له عائشة : كذبت ، قال : يا أمّ المؤمنين ، إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة ، قال : فسكتت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يا أُخْتَ هارُونَ قال : اسم واطأ اسما ، كم بين هارون وبينهما من الأمم أمم كثيرة .

حدثنا أبو كريب وابن المثنى وسفيان وابن وكيع وأبو السائب ، قالوا : حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، قال : سمعت أبي يذكر عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران ، فقالوا لي : ألستم تقرأون يا أُخْتَ هارُونَ ؟ قلت : بلى وقد علمتم ما كان بين عيسى وموسى ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : «ألا أخْبَرْتَهُمْ أنّهُمْ كانُوا يُسَمّونَ بأنْبِيائهِمْ وَالصّالِحِينَ قَبْلَهُمْ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : أرسلني النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض حوائجه إلى أهل نجران ، فقالوا : أليس نبيك يزعم أن هارون أخو مريم هو أخو موسى ؟ فلم أدر ما أردّ عليهم حتى رجعت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، فقال : «إنّهُمْ كانُوا يُسَمّونَ بأسْماءِ مَنْ كانَ قَبْلَهُمْ » .

وقال بعضهم : عنى به هارون أخو موسى ، ونُسبت مريم إلى أنها أخته لأنها من ولده ، يقال للتميميّ : يا أخا تميم ، وللمُضَرِيّ : يا أخا مُضَر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ يا أُخْتَ هارُونَ قال : كانت من بني هارون أخي موسى ، وهو كما تقول : يا أخا بني فلان .

وقال آخرون : بل كان ذلك رجلاً منهم فاسقا معلن الفسق ، فنسبوها إليه .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه ، وأنها نسبت إلى رجل من قومها .

وقوله : ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ يقول : ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش وَما كانَتْ أُمُكِ بَغِيّا يقول : وما كانت أمك زانية ، كما :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا قال : زانية . وقال : وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا ولم يقل : بغيّة ، لأن ذلك مما يوصف به النساء دون الرجال ، فجري مجرى امرأة حائض وطالق ، وقد كان بعضهم يشبه ذلك بقولهم : ملحفة جديدة وامرأة قتيل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

{ يا أخت هارون } يعنون هارون النبي عليه الصلاة والسلام وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة ، وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة . وقيل هو رجل طالح أو صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكما أو لما رأوا قبل من صلاحها أو شتموها به . { ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا } تقرير لآن ما جاءت به فري ، وتنبيه على أن الفواحش من أولاد الصالحين أفحش .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

واختلف المفسرون في معنى قوله عز وجل ، { يا أخت هارون } . فقالت فرقة كان لها أخ اسمه { هارون } لأن هذا الاسم كان كثيراً في بني اسرائيل ، تبركاً باسم هارون أخي موسى ، وروى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى أهل نجران في أمر من الأمور فقال له النصارى إن صاحبك يزعم أن مريم «أخت هارون » وبينهما في المدة ستمائة سنة ، قال المغيرة فلم أدر ما أقول فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له . فقال ألم يعلموا أنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين{[7946]} ، فالمعنى أنه اسم وافق اسماً ، وقال السدي وغيره : بل نسبوها الى { هارون } أخي موسى لأنها كانت من نسله وهذا كما تقول من قبيلة يا أخاً فلانة ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم »{[7947]} ، وقال كعب الأحبار بحضرة عائشة أم المؤمنين إن مريم ليست ب «أخت لهارون » أخي موسى ، فقالت عائشة كذبت فقال لها يا أم المؤمنين إن كان رسول الله صلى عليه وسلم قاله فهو أصدق وخير ، والاَّ فإني أجد بينهما من المدة ستمائة سنة ، قال فسكتت{[7948]} . وقال قتادة : كان في ذلك الزمن في بني إسرائيل رجل عابد منقطع الى الله يسمى «هارون » فنسبوها الى أخوته من حيث كانت على طريقته قبل إذ كانت موقوفة على خدمة البيع ، أي يا هذه المرأة الصالحة ما كنت أهلاً لما أتيت به . وقالت فرقة : بل كان في ذلك الزمن رجل فاجر اسمه «هارون » فنسبوها إليه على جهة التعيير والتوبيخ ذكره الطبري ولم يسم قائله ، والمعنى { ما كان أبوك } ولا أمك أهلاً لهذه الفعلة فكيف جئت أنت بها ؟ و «البغي » التي تبغي الزنا أي تطلبه ، أصلها بغوي فعول وقد تقدم ذكر ذلك .


[7946]:حديث المغيرة بن شعبة أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل. (الدر المنثور).
[7947]:أخرجه الترمذي في الصلاة، وابن ماجه في الأذان، وأحمد في مسنده (4ـ 169)، ولفظه كما في مسند أحمد، عن زياد بن الحارث الصدائي أنه أذن، فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلىالله عليه وسلم: (يا أخا صداء، إن الذي أذن فهو يقيم)، وفي رواية أخرى ذكرها أيضا الإمام أحمد، عن زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذن يا أخا صداء)، قال: فأذنت، وذلك حين أضاء الفجر، قال: فلما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة، فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقيم أخو صداء، فإن من أذن فهو يقيم).
[7948]:أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن سيرين. (الدر المنثور).