الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

واختُلِف في معنى قوله تعالى : { يا أخت هارون } [ مريم : 28 ] .

فقيل : كان لها أَخٌ اسمه هارون لأَن هذا الاِسْم كان كَثِيراً في بني إسْرَائِيل . ورَوَى المغيرةُ بن شُعْبة : أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَرسله إلى أَهْلِ نَجْرَانَ في أمْرٍ من الأُمُور ، فقالتْ له النصارى : إن صَاحِبَك يزعم أَنَّ مريمَ هي أُخْت هارون ، وبينهما في المدّةِ ستُّ مائةِ سنة ، قال المغيرةُ : فلم أَدر ما أقول فلما قَدِمْتُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكرتُ ذلك له ، فقال : أَلَمْ يَعْلَمُوا أنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياءِ والصّالحين ؟ .

قال ( ع ) : فالمعنى أَنه اسم وافق اسما ، وقيل : نسبُوها إلى هَارُون أَخِي مُوسَى ، لأَنها مِنْ نَسْله ؛ ومنه قولُه صلى الله عليه وسلم : ( إن أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ ، وَمَنْ أَذَّنَ ، فَهُوَ يُقِيمٌ ) ، وقال قتادةُ : نسبوها إلى هَارُونَ اسم رَجُلٍ صَالِحٍ في ذلك الزمان . وقالتْ فرقةٌ : بل كان في ذلك الزمان رجلٌ فاجِرٌ اسمه هَارُون نسبُوها إليه ؛ على جهة التَّعْيِير .

( ت ) : واللّهُ أعلمُ بصحّة هذا ، وما رواه المُغِيرة إنْ ثبت هو المعوَّلُ عليه ، وقولهم : { مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ } المعنى : ما كان أَبُوك ، ولا أمّك أهلاً لهذه الفِعْلة ، فكيف جِئْت أنت بها ؟ والبَغِيّ : الّتي تبغِي الزَّنَا ، أي : تطلبه .