اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

قوله تعالى : { يا أخت هَارُونَ } يريدون : يا شبيهة هارون ، قال قتادةُ ، وكعبٌ ، وابنُ زيدٍ ، والمغيرة بنُ شعبة -رضي الله عنهم- : كان هارُون رجلاً صالحاً مقدِّماً في بني إسرائيل ، رُوِيَ أنَّهُ تبعَ جنازتهُ يوم مات أربعُون ألفاً ، كلُّهم يسمَّى هارون من بني إسرائيل سوى سائر النّاس ، شبَّهُوها به على معنى أنَّنا ظننَّا أنَّك مثلهُ في الصَّلاح ، وليس المرادُ منه الأخُوَّة في النَّسب ؛ كقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين }{[21571]} [ الإسراء : 27 ] .

روى المغيرةُ بنُ شعبة -رضي الله عنه- قال : لما قدمتُ [ خراسان ]{[21572]} سالُوني ، فقالوا : إنَّكم تقرءون : { يا أخت هَارُونَ } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ، فلمَّا قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتهُ عن ذلك ، فقال : إنَّهم كانُوا يُسمَّون بأنبيائهم والصَّالحين قبلهم{[21573]} .

قال ابن كثيرٍ : وأخطأ محمَّد بن كعبٍ القرظيُّ في زعمه أنَّها أختُ موسى وهارون نسباً ؛ فإنَّ بينهما من الدُّهُور الطَّويلة ما لا يخفى على من عندهُ أدنى علم ، وكأنَّه غرَّه أنَّ في التَّوراة أن مريم -أخت موسى ، وهارون- ضربت بالدُّفِّ يوم نجَّى الله موسى وقومه ، وغرقَ فرعونُ وجُنودُه ، فاعتقد أنَّ هذه هي تلك ، وهذا في غاية البُطلان ومخالفةٌ للحديث الصحيح المتقدِّم .

وقال الكلبيُّ : كان هارونُ أخا مريم من أبيها ، وكان أمثل رجُل في بني إسرائيل{[21574]} .

وقال السُّديُّ : إنَّما عنوا به هارُون أخا موسى{[21575]} ، لأنَّها كانت من نسله ، كما يقال للتميميِّ : يا أخا تميمٍ ، ويا أخا همدان ، أي : يا واحداً منهم .

وقيل : كان هاروُن فاسقاً في بني إسرائيل مُعْلِناً بالفِسْقُ ، فشبَّهوها به . وقول الكلبيّ أقربُ ؛ لوجهين :

الأول : أن الأصل في الكلام الحقيقةُ ؛ فيحملُ الكلامُ على أخيها المسمَّى ب " هارُونَ " .

الثاني : أنها أضيفت إليه ، ووُصف أبواها بالصَّلاح ؛ وحينئذ يصيرُ التوبيخُ أشدَّ ، لأنَّ من كان حال أبويه وأخيه هذا الحال ، يكونُ صدور الذَّنْبِ منه أفحش .

ثم قالوا : { مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ } .

قال ابن عبَّاس : أي : زانياً ، " وما كانَتْ أمُّك " حنَّة " بغيَّا " أي : زانية ، فمن أين لك هذا الولدُ{[21576]} .


[21571]:ينظر: تفسير الطبري (8/335) والماوردي (3/368 – 369) والبغوي (3/193-194) والقرطبي (11/68).
[21572]:في ب: نجران.
[21573]:أخرجه مسلم (3/1685) والترمذي (2/144) وأحمد (4/252) والنسائي في "الكبرى" (6/393). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/486) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل".
[21574]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/194).
[21575]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/486) وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن السدي وأخرجه الطبري (8/336) وينظر: المصدر السابق.
[21576]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/194).