السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

{ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء } أي : زانياً { وما كانت أمّك بغياً } أي : زانية فمن أين لك هذا الولد لأنّ هذا القول ظاهره التوبيخ وفي هارون هذا أربعة أقوال :

أحدها : أنه رجل صالح من بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح والمراد أنك كنت في الزهد كهارون فكيف صرت هكذا ؟ وروي أنّ هارون هذا لما مات تبع جنازته أربعون ألفاً كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل تبركاً باسمه ، سوى سائر الناس شبهوها به على معنى إنا ظننا أنك مثله في الصلاح وليس المراد منه الأخوّة في النسب كقوله تعالى : { إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين } [ الإسراء ، 27 ] وروى المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرؤون { يا أخت هارون } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال : «إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم » قال ابن كثير : وأخطأ محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسباً فإنّ بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على من عنده أدنى علم وكأنه غرّه في أوّل التوراة أنّ مريم أخت موسى وهارون ضربت بالدف يوم نجى الله تعالى موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه وجنوده فاعتقد أنّ هذه هي تلك وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح المتقدّم .

الثاني : أنه هارون أخو موسى لأنها كانت من نسله كما يقال التميمي يا أخا تميم وللهمداني يا أخا همدان أي : يا واحداً منهم .

الثالث : أنه كان فاسقاً في بني إسرائيل فنسبت إليه أي : شبهوها به .

الرابع : أنه كان لها أخ من أبيها يسمى هارون من صلحاء بني إسرائيل فعيرت به قال الرازي وهذا هو الأقرب لوجهين ؛ الأول : أنّ الأصل في الكلام الحقيقة فيحمل الكلام على أخيها المسمى بهارون الثاني : أنها أضيفت إليه ووصف أبواها بالصلاح فحينئذٍ يصير التوبيخ أشدّ لأن من كان حال أبويه وأخيه بهذا الحال يكون صدور الذنب منه أفحش .