في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا} (42)

إذ قال لأبيه : يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ? يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا . يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا . يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا . . ) .

بهذا اللطف في الخطاب يتوجه إبراهيم إلى أبيه ، يحاول أن يهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه ، وعلمه إياه ؛ وهو يتحبب إليه فيخاطبه : ( يا أبت )ويسأله : ( لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ? )والأصل في العبادة أن يتوجه بها الإنسان إلى من هو أعلى من الإنسان وأعلم وأقوى . وأن يرفعها إلى مقام أسمى من مقام الإنسان وأسنى . فكيف يتوجه بها إذن إلى ما هو دون الإنسان ، بل إلى ما هو في مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان ، لا يسمع ولا يبصر ولا يملك ضرا ولا نفعا . إذ كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام كما هو حال قريش الذين يواجههم الإسلام .

هذه هي اللمسة الأولى التي يبدأ بها إبراهيم دعوته لأبيه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا} (42)

وقوله : إذْ قالَ لأبِيهِ يقول : اذكره حين قال لأبيه يا أبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ يقول : ما تصنع بعبادة الوَثَن الذي لا يسمع وَلا يُبْصرُ شيئا وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئا يقول : ولا يدفع عنك ضرّ شيء ، إنما هو صورة مصوّرة لا تضرّ ولا تنفع . يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته ؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك ، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك ، وإذا نزل بك ضرّ دفع عنك .

واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله يا أبَتِ فكان بعض نحوّيي أهل البصرة يقول : إذا وقفت عليها قلت : يا أبه ، وهي هاء زيدت نحو قولك : يا أمه ، ثم يقال : يا أم إذا وصل ، ولكنه لما كان الأب على حرفين ، كان كأنه قد أُخلّ به ، فصارت الهاء لازمة ، وصارت الياء كأنها بعدها ، فلذلك قالوا : يا أبة أقبل ، وجعل التاء للتأنيث ، ويجوز الترخيم من يا أب أقبل ، لأنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموما ، نحو قول العرب : يا ربّ اغفر لي ، وتقف في القرآن : يا أبه في الكتاب . وقد يقف بعض العرب على الهاء بالتاء . وقال بعض نحوّيي الكوفة : الهاء مع أبة وأمة هاء وقف ، كثرت في كلامهم حتى صارت كهاء التأنيث ، وأدخلوا عليها الإضافة ، فمن طلب الإضافة ، فهي بالتاء لا غير ، لأنك تطلب بعدها الياء ، ولا تكون الهاء حينئذٍ إلا تاء ، كقولك : يا أبت لا غير ، ومن قال : يا أبه ، فهو الذي يقف بالهاء ، لأنه لا يطلب بعدها ياء ومن قال : يا أبتا ، فإنه يقف عليها بالتاء ، ويجوز بالهاء فأما بالتاء ، فلطلب ألف الندبة ، فصارت الهاء تاء لذلك ، والوقف بالهاء بعيد ، إلا فيمن قال : «يا أميمةَ ناصِبِ » فجعل هذه الفتحة من فتحة الترخيم ، وكأن هذا طرف الاسم ، قال : وهذا يعيد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا} (42)

{ إذ قال } بدل من { إبراهيم } وما بينهما اعتراض ، أو متعلق ب { كان } أو ب { صديقا نبيا } . { لأبيه يا أبت } التاء معوضة من ياء الإضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا ، وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها . لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك { ولا يغني عنك شيئا } في جلب نفع أو دفع ضر ، دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب ، حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه ، فضلا عن عبادته التي هي غاية التعظيم ، ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام وهو الخالق الرازق المحي المميت المعاقب المثيب ، ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح ، والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على النفع والضر ولكن كان ممكنا لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة ، فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا} (42)

وقوله { يا أبت } ، اختلف النحاة في التاء من { أبت } ، فمذهب سيبويه أنها عوض عن ياء الإضافة والوقوف عنده عليها بالهاء ، ومذهب الفراء أن يوقف عليها بالتاء ، لان الياء التي للإضافة عنده منوية وجمهور القراء على كسر التاء ، وفي مصحف ابن مسعود «واأبت » بواو للنداء ، وقرأ ابن عامر والأعرج وأبو جعفر . «يا أبتَ » بفتح التاء ، ووجهها أنه{[7968]} أراد «يا أبتا » فحذف الألف وترك الفتحة دالة عليها ، ووجه آخر أن تكون التاء المقحمة كالتي في قوله يا طلحة وفي هذا نظر وقد لحن هارون هذه القراءة ، والذي { لا يسمع ولا يبصر } ، هو الصنم ولو سمع وأبصر كما هي حالة الملائكة وغيرهم ممن عبد لم يحسن عبادتها ، لكن بين إبراهيم عليه السلام بنفي السمع والبصر شنعة الرأي في عبادتها وفساده .


[7968]:يريد: وجهها أن القارىء أراد.... الخ.