جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا} (42)

{ إِذْ قَالَ } بدل من إبراهيم { لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ } دعائك { وَلا يُبْصِرُ } عبادتك { وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا{[3081]} } : من المكاره .


[3081]:في جلب نفع ودفع ضرر دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج و أرشقه برفق وحسن أدب، حيث لم يصرح بضلاله طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه فضلا عن عبادته التي هي غاية التعظيم و لا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام؛ وهو الخالق الرازق المحيي المميت المعاقب المثيب ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقدرا على النفع والضرر، ولكن كان ممكنا لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد المقدرة الواجبة فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر؟! ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه الحق القويم و الصراط المستقيم لما لم يكن محفوظا من العلم الإلهي مستقلا بالنظر السوي، فقال: "يا أبتي قد جاءني" الآية، ولم يسم أباه بالجهل المفرط و لا نفسه بالعلم الفائق، بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق، ثم ثبط عما كان عليه بأنه الآمر به فقال: "يا أبت لا تعبد الشيطان" الخ وبين وجه الضر بأنه مستعص على ربك المولى للنعم كلها ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن يسترد منه النعم وينتقم ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجره إليه فقال: "يا أبت إني أخاف أن يمسك" الآية/12 بيضاوي. والأولى أن يقول: راغب مبتدع لاعتماده على أداة الاستفهام، وأنت فاعل ساد مسد الخير فلا يكون فصل بين العامل وهو راغب ومعموله وهو عن آلهتي بأجنبي وهو أنت /12 وجيز.