القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ هََؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الاُوْلَىَ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ * فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل مشركي قريش لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد لَيَقُولُونَ إنْ هِيَ إلاّ مَوْتَتُنا الأُولى التي نموتها ، وهي الموتة الأولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ بعد مماتنا ، ولا بمبعوثين تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إنْ هِيَ إلاّ مَوْتَتُنَا الأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ قال : قد قال مشركو العرب وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ أي : بمبعوثين .
{ إن هي إلا موتتنا الأولى } ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية ، ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك : حج زيد الحجة الأولى ومات . وقيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم مودة كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى ، أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى . { وما نحن بمنشرين } بمبعوثين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هي إلا موتتنا الأولى} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:إنكم تبعثون من بعد الموت، فكذبوه، فقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا.
{وما نحن بمنشرين}، يعني بمبعوثين من بعد الموت...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ {لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى} [الدخان: 34] الَّتِي نَمُوتُهَا، وَهِيَ الْمَوْتَةُ الْأُولَى {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} [الدخان: 35] بَعْدَ مَمَاتِنَا، وَلَا بِمَبْعُوثِينَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
إنّ الذي يحمل هؤلاء على الإنكار والكفر بك وترك الإيمان بك وإنكارهم البعث والإحياء بعد الموت كقوله تعالى: {والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} [الأنعام: 92] فأما من لم يؤمن بالآخرة لا يؤمن به، والله أعلم.
وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث لدعاء الخلق إلى الزهد في هذه الدنيا والرغبة في الآخرة والقطع عن جميع شهواتهم ومُناهم في الدنيا، وتأخير ذلك إلى الآخرة. فمن آمن بالآخرة سهُل عليه ترك ذلك كلّه، وهان عليه قطع نفسه عن قضاء ذلك كلّه، ومن أنكر الآخرة وجحدها اشتدّ ذلك عليه، وصعُب حمله ذلك على إنكارها والجحود لها...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إن قلت: كان الكلام واقعاً في الحياة الثانية لا في الموت، فهلا قيل: إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين؟ وما معنى قوله: {إِنْ هِي إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى}؟ وما معنى ذكر الأولى؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى؟ قلت: معناه والله الموفق للصواب -: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدّمتكم موتة قد تعقبتها حياة، وذلك قوله عزّ وجل: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] فقالوا:"إن هي إلا موتتنا الأولى" يريدون: ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة، فلا فرق إذاً بين هذا وبين قوله: {إِنْ هِي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} في المعنى.
يقال: أنشر الله الموتى ونشرهم: إذا بعثهم...
{إن هي إلا حياتنا الدنيا} يمكن أن يذكر فيه وجه آخر، فيقال قوله {إن هي إلا موتتنا الأولى} يعني أنه لا يأتينا شيء من الأحوال إلا الموتة الأولى، وهذا الكلام يدل على أنهم لا تأتيهم الحياة الثانية البتة، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا {وما نحن بمنشرين}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان قد تقدم قوله تعالى {يحيي ويميت} وهم يعلمون أن المراد به أنه يتكرر منه الإحياء للشخص الواحد، وكان تعالى قد قال ولا يخاطبهم إلا بما يعرفونه {وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} [البقرة: 28] أي بالانتشار بعد الحياة وقال {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] قالوا: ما {هي إلا موتتنا} على حذف مضاف أي ما الحياة إلا حياة موتتنا.
{الأولى} أي التي كانت قبل نفخ الروح -كما سيأتي في الجاثية {إن هي إلا حياتنا الدنيا} و عبروا عنها بالموتة إشارة إلى أن الحياة في جنب الموت المؤبد على زعمهم أمر متلاش لا نسبه لها منه.
وساق سبحانه كلامهم على هذا الوجه إشارة إلى أن الأمور إذا قيس غائبها على شاهدها، كان الإحياء بعد الموتة الثانية أولى؛ لكونه بعد حياة من الإحياء بعد الموتة الأولى، فحط الأمر على أن الابتداء كان من موت لم يتقدمه حياة، والقرار يكون على حياة لا يعقبها موت.
ولما كان المعنى: وليس وراءها حياة، أكدوه بما يفهمه تصريحاً فقالوا برد ما أثبته الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: {وما نحن} وأكدوا النفي فقالوا: {بمنشرين} أي من منشر ما بالبعث بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت، يقال: نشره وأنشره- إذا أحياه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ضمير {هي} ضمير الشأن ويقال له: ضمير القصة؛ لأنه يستعمل بصيغة المؤنث بتأويل القصة، أي لا قصة في هذا الغرض إلا الموتة المعروفة فهي موتة دائمة لا نشور لنا بعدها. وهذا كلام من كلماتهم في إنكار البعث فإن لهم كلمات في ذلك، فتارة ينفون أن تكون بعد الموت حياة كما حكى عنهم في آيات أخرى مثل قوله تعالى {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا} [الأنعام: 29]، وتارة ينفون أن يطرأ عليهم بعد الموتة المعروفة شيء غيرها، يعنون بذلك شيئاً ضد الموتة وهو الحياة بعد الموتة. فلهم في نَفْي الحياة بعد الموت أفانين من أقوال الجحود، وهذا القصر قصر حقيقي في اعتقادهم؛ لأنهم لا يؤمنون باعتراء أحوال لهم بعد الموت.
وكلمة {هؤلاء} حيثما ذكر في القرآن غير مسبوق بما يصلح أن يشار إليه: مراد به المشركون من أهل مكة كما استنبطناه، وقدمنا الكلام عليه عند قوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء} في سورة الأنعام (89).
ووصف {الأولى} مراد به السابقة مثل قوله: {وأنه أهلك عاداً الأولى} [النجم: 50] ونظيرها قوله تعالى: {أفما نحن بميتين إلاّ موتَتَنا الأولى وما نحن بمعذبين} [الصافات: 58، 59] أعقبوا قصر ما ينتابهم بعد الحياة على الموتة التي يموتونها، بقوله: {وما نحن بمنشرين} تصريحاً بمفهوم القصر.
وجيء به معطوفاً للاهتمام به لأنه غرض مقصود مع إفادته تأكيد القصر.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.