في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ إِلَّا مَقۡتٗاۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارٗا} (39)

39

( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض . فمن كفر فعليه كفره . ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا . ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً ) .

إن تتابع الأجيال في الأرض ، وذهاب جيل ومجيء جيل ، ووراثة هذا لذاك ، وانتهاء دولة وقيام دولة ، وانطفاء شعلة واتقاد شعلة . وهذا الدثور والظهور المتواليان على مر الدهور . . إن التفكير في هذه الحركة الدائبة خليق أن يجد للقلب عبرة وعظة ، وأن يشعر الحاضرين أنهم سيكونون بعد حين غابرين ، يتأمل الآتون بعدهم آثارهم ويتذاكرون أخبارهم ، كما هم يتأملون آثار من كانوا قبلهم ويتذاكرون أخبارهم . وجدير بأن يوقظ الغافلين إلى اليد التي تدير الأعمار ، وتقلب الصولجان ، وتديل الدول ، وتورث الملك ، وتجعل من الجيل خليفة لجيل . وكل شيء يمضي وينتهي ويزول ، والله وحده هو الباقي الدائم الذي لا يزول ولا يحول .

ومن كان شأنه أن ينتهي ويمضي ، فلا يخلد ولا يبقى . من كان شأنه أنه سائح في رحلة ذات أجل ؛ وأن يعقبه من بعده ليرى ماذا ترك وماذا عمل ، وأن يصير في النهاية إلى من يحاسبه على ما قال وما فعل . من كان هذا شأنه جدير بأن يحسن ثواءه القليل ، ويترك وراءه الذكر الجميل ، ويقدم بين يديه ما ينفعه في مثواه الأخير .

هذه بعض الخواطر التي تساور الخاطر ، حين يوضع أمامه مشهد الدثور والظهور ، والطلوع والأفول ، والدول الدائلة ، والحياة الزائلة ، والوراثة الدائبة جيلاً بعد جيل :

( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) . .

وفي ظل هذا المشهد المؤثر المتتابع المناظر ، يذكرهم بفردية التبعة ، فلا يحمل أحد عن أحد شيئاً ، ولا يدفع أحد عن أحد شيئاً ؛ ويشير إلى ما هم فيه من إعراض وكفر وضلال ، وعاقبته الخاسرة في نهاية المطاف :

( فمن كفر فعليه كفره . ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً . ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً ) .

والمقت أشد البغض . ومن يمقته ربه فأي خسران ينتظره ? وهذا المقت في ذاته خسران يفوق كل خسران ? !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ إِلَّا مَقۡتٗاۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارٗا} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِلاّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَسَاراً } .

يقول تعالى ذكره : الله الذي جعلكم أيها الناس خلائف في الأرض من بعد عاد وثمود ، ومن مضى من قبلكم من الأمم فجعلكم تخلفونهم في ديارهم ومساكنهم ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ أمة بعد أُمة ، وقرنا بعد قرن .

وقوله : فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ يقول تعالى ذكره : فمن كفر بالله منكم أيها الناس ، فعلى نفسه ضرّ كفره ، لا يضرّ بذلك غير نفسه ، لأنه المعاقب عليه دون غيره . وقوله : وَلا يَزِيدُ الكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ إلاّ مَقْتا يقول تعالى : ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ بُعدا من رحمة الله وَلا يَزِيدُ الكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إلاّ خَسارا يقول : ولا يزيد الكافرين كفرهم بالله إلاّ هلاكا .