الآية 39 وقوله تعالى : { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } فإن كان المخاطبون به أصحاب رسول الله وأمّته ، فيُخبر أنه جعلهم خلائف من [ تقدم منهم من القرون ]{[17325]} والأمم الماضية بعد ما أُهلكوا ، أو استُؤصلوا .
وإن كان المخاطبون به بني آدم كلهم فيُخبِر أنكم خلائف من تقدّمكم من الجن والملائكة ، لأنه ذكر أن الجن كانوا سكان الأرض قبل بني آدم ، فجعلهم{[17326]} خلائف الجن .
ثم للحكمة{[17327]} في جعل بعض خلائف الجن وإنشاء قرن بعد فناء آخر ، وإفناء آخر بعد إنشاء آخر وجوه .
أحدها : أن يعرفوا أنه إنما أنشأهم لعاقبة تُقصد ، وتُتأمّل ، حين{[17328]} أنشأ قرنا ، ثم أفناهم ، ثم أنشأ غيرهم ، ولم يكن في إنشائهم إلا هذا ، [ ما ]{[17329]} كان إنشاؤه إياهم للفناء ، إذ من بنى في الشاهد بناء للنّقض والفناء لا لعاقبة تُقصد به كان في بنائه عابثا سفيها . فعلى ذلك إنشاء هؤلاء في هذه الدنيا ، لو لم يكن لعاقبة ، كان الإنشاء للفناء ، وذلك عبث غير حكمة .
والثاني : أن يعرفوا أن الدنيا ليست هي بدار القرار والمقام ، إنما هي مجعولة زادا للآخرة وبُلغة إليها ومسلكا لها ومنزلا يُنزل فيها ، ثم يُرتحل ، كالمنازل المجعولة للنزول فيها في الأسفار والتزود منها ثم الارتحال لا للمقام فيها .
فعلى ذلك الدنيا جُعلت لما ذكرنا لئلا يطمئنوا إليها ، ولا يركنوا إليها ، ويعملوا عمل من يريد الارتحال لا عمل المقيم فيها .
والثالث : أن يعرفوا أن الآلام التي جُعلت فيها واللذات ، ليست بدائمة أبدا ، بل على شرف الزوال والتحوّل ، لأن في الحياة لذة ، وفي الموت ألما . فلا دامت اللذة والألم ، لأنه أحيى قرنا ، ثم أفناهم ، ثم أحيى قرنا آخر وأفناهم . فلا دامت اللذة ولا الآلام . ولكن انقضينا ليعلموا أنهما لا يدومان أبدا ، ولكن يزولان .
والرابع : أن يعتبروا بمن تقدم منهم من القرون أنه على ماذا يكون الثناء الحسن ، ويبقى الأثر والذِّكر الجميل ؟ وبأي عمل ينقطع ؟ ويفنى ذلك .
فمن كان من متّبعي الرسل ودعاة الخير والتوحيد والطاعة ، فيبقى له أثر الخير والثناء الحسن والذّكر الجميل . ومن كان من أتباع أهل الكفر والشر لم يبق لهم شيء من ذلك ليعلموا بالذي يُبقي لهم الثناء الحسن ، ويعقب لهم الذكر ، لا الذي يقطع ذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فمن كفر فعليه كفره } أي عليه ضرر كفره { ولا يزيد الكافرين عند ربهم إلا مقتا } الآية ، أي لا يزيد كفرهم بالله وبرسوله وعبادتهم الأصنام إلا مقتا وخسارا لأنهم كانوا يعبدونها رجاء أن تشفع لهم يوم القيامة ورجاء أن تقرّبهم{[17330]} عبادتهم إلى الله زلفى . يقول ، والله أعلم : لا يزيد ذلك لهم إلا مقتا من ربهم وخسارا .
[ ويحتمل أن ]{[17331]} تكون أعمالهم التي عملوا في هذه الدنيا من صلة الأرحام والقُرَب التي رجوا منها الربح والنفع في الآخرة ، لا يزيد ذلك لهم : { إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا } والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.