ثم أودع نفسه خصائص القدرة على إدراك الخير والشر ، والهدى والضلال ، والحق والباطل : ( وهديناه النجدين )
. . ليختار أيهما شاء ، ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين . والنجد الطريق المرتفع . وقد اقتضت مشيئة الله أن تمنحه القدرة على سلوك أيهما شاء ، وأن تخلقه بهذا الازدواج طبقا لحكمة الله في الخلق ، وإعطاء كل شيء خلقه ، وتيسيره لوظيفته في هذا الوجود .
وهذه الآية تكشف عن حقيقة الطبيعة الإنسانية ؛ كما أنها تمثل قاعدة " النظرية النفسية الإسلامية " هي والآيات الأخرى في سورة الشمس : ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )[ وسنرجئ عرضها بشيء من التفصيل إلى الموضع الآخر في سورة الشمس لأنه أوسع مجالا ] .
يعني الطريقين : طريق الخير وطريق الشر . أي بيناهما له بما أرسلناه من الرسل . والنجد . الطريق في ارتفاع . وهذا قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما . وروى قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( يا أيها الناس ، إنما هما النجدان : نجد الخير ، ونجد الشر ، فلم نجعل نجد الشر أحب إليك من نجد الخير ) . وروي عن عكرمة قال : النجدان : الثديان . وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك ، وروي عن ابن عباس وعلي رضي الله عنهما ؛ لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه . فالنجد : العلو ، وجمعه نجود ، ومنه سميت " نجد " ، لارتفاعها عن انخفاض تهامة . فالنجدان : الطريقان العاليان . قال امرؤ القيس :
فريقان منهم{[16077]} جَازِعٌ بطنَ نخلةٍ *** وآخرُ منهم قاطعٌ نجدَ كَبْكَبِ
قوله : { وهديناه النّجدين } هدى الله الإنسان النجدين . وهما طريق الخير وطريق الشر . فقد بيّن الله للإنسان هذين السبيلين تبيينا كاملا مستفيضا لا لبس فيه ولا نقص ، وبيّن له أن أول هذين السبيلين يفضي إلى الجنة حيث النجاة والسعادة ، وأن ثانيهما يفضي إلى النار حيث العذاب والنكال . وذلك كله بعد أن بثّ الله في الإنسان استعداده لفعل الخير والشر وقد حرّضه على فعل الخير تحريضا ، وحذره من فعل الشر تحذيرا . وفوق ذلك كله فإن الله جل وعلا قد أودع الإنسان خصائص كبريات . أولها العقل المميز الممحّص الرادع ، وغير ذلك من خصائص الحياء والمروءة والرأفة والشفقة والضمير الحافز المبكّت ، اللوام . كل أولئك أسباب عظيمة للتحريض على فعل الخير ، واختيار طريقه ، ومجانبة الشر وفعله . وليس على الله لأحد بعد ذلك من حجة . فإن جنح الإنسان بعد ذلك كله للشر فلا يلومنّ إلا نفسه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.