فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

{ وهديناه النجدين } النجد الطريق في ارتفاع ، قال المفسرين : بينا له طريق الخير وطريق الشر ، قال الزجاج المعنى ألم نعرفه طريق الخير وطريق الشر مبينتين كتبيين الطريقين العاليتين .

وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن المسيب والضحاك : النجدان الثديان لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه ، والأول الأولى . وأصل النجد المكان المرتفع وجمعه نجود ، ومنه سميت نجد لارتفاعها عن انخفاض تهامة فالنجدان الطريقان العاليان .

قال ابن مسعود في الآية : سبيل الخير والشر ، وقال ابن عباس : الهدى والضلالة ، وعنه نحو قول ابن مسعود ، وعن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " أخرجه ابن أبي حاتم تفرد به سنان بن سعد ، ويقال سعد بن سنان وقد وثقه يحيى بن معين ، وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني منكر الحديث ، وقال أحمد تركت حديثه لاضطرابه قد روى خمسة عشر حديثا منكرة كلها ما أعرف منها حديثا واحدا ، يشبه حديثه حديث البصري لا يشبه حديث أنس .

وروي نحوه عن الحسن وقتادة مرسلا ، ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا أيها الناس أنهما نجدان نجد خير ونجد شر ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " .

ويشهد له أيضا ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما هما نجد الخير ونجد الشر ، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " .

قال الشهاب لا يخفى أنه ذكره في سياق الامتنان والمراد الامتنان عليه بأن هداه وبين له الطريق فسلكها تارة وعدل عنها أخرى ، فلا امتنان عليه بالشر ولذا جعله الإمام بمعنى قوله تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } ووصف مكان الخير بالرفعة والنجدية ظاهر بخلاف الشر فإنه هبوط من ذروة الفطرة إلى حضيض الشقوة فهو على سبيل التغليب أو على توهم المخيلة أن فيه صعودا فتدبر انتهى .

قلت الامتنان بالهداية إلى سبيل الشر يصح بمعنى أن الله عرف الإنسان طريق الشر ليجتنبه وطريق الخير ليسلكه ، ولو لم يعرف سبيل الشر لما اجتنبه ، والأشياء تعرف بأضدادها ، فالامتنان بهدايته إليه ثابت عقلا . والمعنى بينا ووضحنا له أن سلوك الأول ينجي وأن سلوك الثاني يردي . وأن سلوك الأول ممدوح وأن سلوك الثاني مذموم ، فالذي ذكره الشهاب تدفعه الأحاديث المرفوعة المتقدم ذكرها .