أي : هذا { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ْ } سنقصه عليك ، ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا ، وآثاره الصالحة ، ومناقبه الجميلة ، فإن في قصتها عبرة للمعتبرين ، وأسوة للمقتدين ، ولأن في تفصيل رحمته لأوليائه ، وبأي : سبب حصلت لهم ، مما يدعو إلى محبة الله تعالى ، والإكثار من ذكره ومعرفته ، والسبب الموصل إليه . وذلك أن الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته ، وخصه بوحيه ، فقام بذلك قيام أمثاله من المرسلين ، ودعا العباد إلى ربه ، وعلمهم ما علمه الله ، ونصح لهم في حياته وبعد مماته ، كإخوانه من المرسلين ومن اتبعهم ، فلما رأى من نفسه الضعف ، وخاف أن يموت ، ولم يكن أحد ينوب منابه في دعوة الخلق إلى ربهم والنصح لهم .
افتتاح كلام ، فيتعيّن أن { ذِكْرُ } خبر مبتدأ محذوف ، مثلُه شائع الحذف في أمثال هذا من العناوين . والتقدير : هذا ذكر رحمة ربّك عبده . وهو بمعنى : اذكر . ويجوز أن يكون { ذِكْرُ } أصله مفعولاً مطلقاً نائباً عن عامله بمعنى الأمر ، أي اذكر ذكراً ، ثمّ حول عن النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات كما حُول في قوله { الحمد لله } وقد تقدم في [ سورة الفاتحة : 2 ] . ويرجحه عطف { واذكر في الكتاب مريم } [ مريم : 16 ] ونظائرِه .
وقد جاء نظم هذا الكلام على طريقة بديعة من الإيجاز والعدولِ عن الأسلوب المتعارف في الإخبار ، وأصل الكلام : ذكر عبدنا زكرياء إذ نادى ربّه فقال : رب الخ . . . فرحمة ربّك ، فكان في تقديم الخبر بأن الله رحمه اهتمام بهذه المنقبة له ، والإنباء بأن الله يرحم من التجأ إليه ، مع ما في إضافة { ربّ } إلى ضمير النبيء وإلى ضمير زكرياء من التنويه بهما .
وافتتحت قصة مريم وعيسى بما يتصل بها من شؤون آل بيت مريم وكافلها لأنّ في تلك الأحوال كلها تذكيراً برحمة الله تعالى وكرامته لأوليائه .
وزكرياء نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وهو زكرياء الثاني زوج خالة مريم ، وليس له كتاب في أسفار التوراة . وأما الذي له كتاب فهو زكرياء بن برخيا الذي كان موجوداً في القرن السادس قبل المسيح . وقد مضت ترجمة زكرياء الثاني في سورة آل عمران ومضت قصّة دعائه هنالك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذكر رحمت ربك}، يعني: نعمة ربك يا محمد، {عبده زكريا}... وذلك أن الله تعالى ذكر عبده زكريا بالرحمة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل العربية في الرافع للذكر، والناصب للعبد، فقال بعض نحويي البصرة في معنى ذلك كأنه قال: مما نقصّ عليك "ذكر رحمة ربك عبده"، وانتصب العبد بالرحمة كما تقول: ذكر ضرب زيد عمرا. وقال بعض نحويي الكوفة: رفعت الذكر ب"كهيعص"، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك، قال: والمعنى ذكر ربك عبده برحمته، تقديم وتأخير.
والقول الذي هو الصواب عندي في ذلك أن يقال: الذكر مرفوع بمضمر محذوف، وهو (هذا) كما فعل ذلك في غيرها من السور، وذلك كقول الله: "بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ "وكقوله: "سُورَةٌ أنْزَلْناها" ونحو ذلك...
فتأويل الكلام: هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هذا يحتمل بوجهين: أحدهما: على الأمر؛ أي اذكر لهم رحمة {ربك عبده زكريا} بالإجابة له عند سؤاله الولد في الوقت الذي أيس من الولد في ذلك الوقت. فيكون فيه دلالة رسالته حين ذكر لهم رحمة ربه على عبده زكريا، وأخبرهم على ما في كتبهم.
والثاني: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} أي هذا ذكر رحمة ربك لعبده زكريا في دعائه. وعلى هذا التأويل يكون الذكر هو القرآن، وقد سمى الله القرآن ذكرا في غير آية من القرآن، والله أعلم...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{ذكر} هذا ذكر {رحمة ربك عبده زكريا} أي هذا القول الذي أنزلت عليك ذكر رحمة الله سبحانه عبده بإجابة دعائه لما دعاه وهو قوله {إذ نادى ربه نداء خفيا}
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وقرأ الحسن «ذَكَّرَ رَحمَةَ رَبِّكَ» أي: هذا المتلوّ من القرآن ذَكَّرَ رحمةَ ربكَ وقرئ: «ذَكّرْ» على الأمر...
يحتمل أن يكون المراد من قوله "رحمة ربك "أعني عبده زكرياء ثم في كونه رحمة وجهان: أحدهما: أن يكون رحمة على أمته لأنه هداهم إلى الإيمان والطاعات. والآخر: أن يكون رحمة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمة محمد لأن الله تعالى لما شرح لمحمد صلى الله عليه وسلم طريقه في الإخلاص والابتهال في جميع الأمور إلى الله تعالى صار ذلك لفظا داعيا له ولأمته إلى تلك الطريقة فكان زكرياء رحمة، ويحتمل أن يكون المراد أن هذه السورة فيها ذكر الرحمة التي رحم بها عبده زكرياء.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
{عبده زكريا} وصفه بالعبودية تشريفا له وإعلاما له بتخصيصه وتقريبه،...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ذكر} أي هذا الذي أتلوه عليكم ذكر {رحمت ربك} أي المحسن إليك بالتأييد بكشف الغوامض وإظهار الخبء {عبده} منصوب برحمة، لأنها مصدر بني على التاء، لا أنها دالة على الوحدة {زكريا} جزاء له على توحيده وعمله الصالح الذي حمله عليه الرجاء للقاء ربه، والرحمة منه سبحانه المعونة والإجابة والإيصال إلى المراد ونحو ذلك من ثمرات الرحمة المتصف بها العباد...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: هذا {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ْ} سنقصه عليك، ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا، وآثاره الصالحة، ومناقبه الجميلة، فإن في قصتها عبرة للمعتبرين، وأسوة للمقتدين، ولأن في تفصيل رحمته لأوليائه، وبأي: سبب حصلت لهم، مما يدعو إلى محبة الله تعالى، والإكثار من ذكره ومعرفته، والسبب الموصل إليه. وذلك أن الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته، وخصه بوحيه، فقام بذلك قيام أمثاله من المرسلين، ودعا العباد إلى ربه، وعلمهم ما علمه الله، ونصح لهم في حياته وبعد مماته، كإخوانه من المرسلين ومن اتبعهم، فلما رأى من نفسه الضعف، وخاف أن يموت، ولم يكن أحد ينوب منابه في دعوة الخلق إلى ربهم والنصح لهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وبعدها تبدأ القصة الأولى. قصة زكريا ويحيى. والرحمة قوامها. والرحمة تظللها. ومن ثم يتقدمها ذكر الرحمة: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
افتتاح كلام، فيتعيّن أن {ذِكْرُ} خبر مبتدأ محذوف، مثلُه شائع الحذف في أمثال هذا من العناوين. والتقدير: هذا ذكر رحمة ربّك عبده. وهو بمعنى: اذكر. ويجوز أن يكون {ذِكْرُ} أصله مفعولاً مطلقاً نائباً عن عامله بمعنى الأمر، أي اذكر ذكراً، ثمّ حول عن النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات كما حُول في قوله {الحمد لله} وقد تقدم في [سورة الفاتحة: 2]. ويرجحه عطف {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] ونظائرِه. وقد جاء نظم هذا الكلام على طريقة بديعة من الإيجاز والعدولِ عن الأسلوب المتعارف في الإخبار، وأصل الكلام: ذكر عبدنا زكرياء إذ نادى ربّه فقال: رب الخ... فرحمة ربّك، فكان في تقديم الخبر بأن الله رحمه اهتمام بهذه المنقبة له، والإنباء بأن الله يرحم من التجأ إليه، مع ما في إضافة {ربّ} إلى ضمير النبيء وإلى ضمير زكرياء من التنويه بهما. وافتتحت قصة مريم وعيسى بما يتصل بها من شؤون آل بيت مريم وكافلها لأنّ في تلك الأحوال كلها تذكيراً برحمة الله تعالى وكرامته لأوليائه. وزكرياء نبي من أنبياء بني إسرائيل...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
هذا ما تريد السورة أن تذكّر المؤمنين به، ليعرفوا كيف يرحم الله عباده الصالحين الذين يبتهلون إليه في ما أهمّهم من أمر دنياهم وآخرتهم، من خلال نموذج مميّز هو عبد الله الصالح زكريا الذي كان يعيش المحبّة لله، كأعمق ما يعيشه الإنسان المؤمن الصالح أمام ربه، وكان موضعاً لرحمة الله في تفاصيل قصته المثيرة للتفكير وللإيمان،...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.