تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ} (3)

{ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى } إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى ، فيتذكر ما فيه من الترغيب إلى أجل المطالب ، فيعمل بذلك ، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران ، فيرهب منه ، ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة ، التي كان مستقرا في عقله حسنها مجملا ، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله ، ولهذا سماه الله { تَذْكِرَةً } والتذكرة لشيء كان موجودا ، إلا أن صاحبه غافل عنه ، أو غير مستحضر لتفصيله ، وخص بالتذكرة { مَن يَخْشَى } لأن غيره لا ينتفع به ، وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار ، ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة ؟ هذا ما لا يكون ، { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى* وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى* الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم ، وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات ، المدبر لجميع المخلوقات ، أي : فاقبلوا تنزيله بغاية الإذعان والمحبة والتسليم ، وعظموه نهاية التعظيم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ} (3)

قوله { إلاَّ تَذْكِرَةً } استثناء مفرّغ من أحوال للقرآن محذوفة ، أي ما أنزلنا عليك القرآن في حال من أحوال إلا حال تذكرة فصار المعنى : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وما أنزلناه في حال من الأحوال إلا تذكرة . ويدل لذلك تعقيبه بقوله { تنزيلاً ممَّن خَلَق الأرضَ } الذي هو حال من القرآن لا محالة ، ففعل { أنْزَلنا } عامل في { لِتَشْقَى } بواسطة حرف الجرّ ، وعامل في { تَذْكِرة } بواسطة صاحب الحال ، وبهذا تعلم أن ليس الاستثناء من العلّة المنفية بقوله : { لِتَشْقَى } حتى تتحير في تقويم معنى الاستثناء فتفزع إلى جعله منقطعاً وتقع في كُلف لتصحيح النّظم .

وقال الواحدي في « أسباب النزول » : « قال مقاتل : قال أبو جهل والنضر بن الحارث ( وزاد غير الواحدي : الوليد بن المغيرة ، والمطعِم بنَ عديّ ) للنبيء صلى الله عليه وسلم إنك لتشقى بترك ديننا ، لما رأوا من طول عبادته واجتهاده ، فأنزل الله تعالى : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } الآية ، وليس فيه سند .

والتذكرة : خطور المنسي بالذهن ؛ فإن التوحيد مستقرّ في الفطرة والإشراك مناف لها ، فالدعوة إلى الإسلام تذكير لما في الفطرة أو تذكير لملّة إبراهيم عليه .

و { من يخشى } هو المستعد للتأمل والنظر في صحة الدّين ، وهو كل من يفكّر للنجاة في العاقبة ، فالخشية هنا مستعملة في المعنى العَربي الأصلي ، ويجوز أن يراد بها المعنى الإسلامي ، وهو خوف الله ، فيكون المراد من الفعل المآل ، أي من يؤول أمره إلى الخشية بتيْسِير الله تعالى له التقوى ، كقوله تعالى : { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] أي الصائرين إلى التقوى .