{ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } أي تتعب بالعبادة ولكنك بعثت بالحنيفية السهلة . وعند الأكثرين معنى { لتشقى } لتتعب بفرط تأسفك عليهم وتحسرك على أن يؤمنوا . والشقاء يجيء بمعنى التعب ومنه المثل " أشقى من رائض مهر وأتعب " . وقيل : إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له : إن كل شقي لأنك تركت دين آبائك فرد الله عليهم بأن القرآن هو السبب في نيل كل سعادة . قال جار الله : إن جعلت { طه } تعديد الأسماء الحروف فقوله { ما أنزلنا } ابتداء الكلام ، وإن جعلته اسماً للسورة فمبتدأ وما بعده خبر وقد أقيم الظاهر - وهو القرآن - مقام الضمير الرابط ، وإن جعلته قسماً فما يتلوه جواب وكل واحد من { لتشقى } و{ تذكرة } علة للفعل إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس فعلاً لفاعل الفعل المعلل والثاني جاز قطع اللام عنه لوجود الشرط . ولا يجوز أن يكون { تذكرة } بدلاً من محل { لتشقى } لاختلاف الجنسين ، فإن التذكرة لا يمكن أن تحمل على الشقاء ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي فيه " إلا " بمعنى " لكن " . وفي قوله { لتشقى } و{ إلا تذكرة } وجه آخر وهو أنه ما أنزلنا عليك القرآن لتتحمل متاعب التبليغ إلا ليكون تذكرة أي ما أنزلنا عليك هذا التعب الشاق إلا لهذا الغرض كما يقال : ما شافهناك بذلك الكلام لتتأذى إلا ليعتبر بك غيرك . فانتصب { تذكرةً } على أنه حال أو مفعول له ، وإذا كانت حالاً جاز أن يكون { تنزيلاً } بدلاً منها ، وإذا كانت مفعولاً لأجله لم يجز أن يكون { تنزيلاً } بدلاً منها لأن الشيء لا يعلل بنفسه ، فالإنزال لا يعلل بالتنزيل في الظاهر . ويجوز أن ينتصب { تنزيلاً } بمضمر أي نزل تنزيلاً أو بأنزلنا لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرةً أنزلناه تذكرةً ، أو على المدح والاختصاص ، أبو ب { يخشى } مفعولاً به أي أنزله الله تذكرةً لمن يخشى تنزيل الله عز وجلّ أي لمن يؤل أمره إلى الخشية لأنه هو المنتفع به . ومعنى كون القرآن تذكرةً أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظهم به وببيانه . { ممن خلق } متعلق { بتنزيلاً } فيكون الظرف لغواً أو بكائناً صفة له فيكون مستقراً . وفائدة الانتقال إلى الغيبة من لفظ المتكلم حين لم يقل تنزيلاً منا أمور منها : الافتنان في الكلام على عادتهم . ومنها تنسيق الصفات مع لفظ الغيبة . ومنها التفخيم بالإسناد أولاً إلى ضمير المتكلم المطاع في { أنزلناه } ثم إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد . وقيل : أنزلنا حكاية كلام جبرائيل فلا التفات .
و{ العلى } جمع العليا تأنيث الأعلى وفي وصف السموات بها دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها . ويحصل منه تعظيم شأن القرآن بالضرورة فعلى قدر المرسل يكون حال الرسالة . ومنه قول الحكماء : عقول الرجال تحت لسان أقلامهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.