غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ} (3)

1

{ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } أي تتعب بالعبادة ولكنك بعثت بالحنيفية السهلة . وعند الأكثرين معنى { لتشقى } لتتعب بفرط تأسفك عليهم وتحسرك على أن يؤمنوا . والشقاء يجيء بمعنى التعب ومنه المثل " أشقى من رائض مهر وأتعب " . وقيل : إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له : إن كل شقي لأنك تركت دين آبائك فرد الله عليهم بأن القرآن هو السبب في نيل كل سعادة . قال جار الله : إن جعلت { طه } تعديد الأسماء الحروف فقوله { ما أنزلنا } ابتداء الكلام ، وإن جعلته اسماً للسورة فمبتدأ وما بعده خبر وقد أقيم الظاهر - وهو القرآن - مقام الضمير الرابط ، وإن جعلته قسماً فما يتلوه جواب وكل واحد من { لتشقى } و{ تذكرة } علة للفعل إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس فعلاً لفاعل الفعل المعلل والثاني جاز قطع اللام عنه لوجود الشرط . ولا يجوز أن يكون { تذكرة } بدلاً من محل { لتشقى } لاختلاف الجنسين ، فإن التذكرة لا يمكن أن تحمل على الشقاء ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي فيه " إلا " بمعنى " لكن " . وفي قوله { لتشقى } و{ إلا تذكرة } وجه آخر وهو أنه ما أنزلنا عليك القرآن لتتحمل متاعب التبليغ إلا ليكون تذكرة أي ما أنزلنا عليك هذا التعب الشاق إلا لهذا الغرض كما يقال : ما شافهناك بذلك الكلام لتتأذى إلا ليعتبر بك غيرك . فانتصب { تذكرةً } على أنه حال أو مفعول له ، وإذا كانت حالاً جاز أن يكون { تنزيلاً } بدلاً منها ، وإذا كانت مفعولاً لأجله لم يجز أن يكون { تنزيلاً } بدلاً منها لأن الشيء لا يعلل بنفسه ، فالإنزال لا يعلل بالتنزيل في الظاهر . ويجوز أن ينتصب { تنزيلاً } بمضمر أي نزل تنزيلاً أو بأنزلنا لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرةً أنزلناه تذكرةً ، أو على المدح والاختصاص ، أبو ب { يخشى } مفعولاً به أي أنزله الله تذكرةً لمن يخشى تنزيل الله عز وجلّ أي لمن يؤل أمره إلى الخشية لأنه هو المنتفع به . ومعنى كون القرآن تذكرةً أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظهم به وببيانه . { ممن خلق } متعلق { بتنزيلاً } فيكون الظرف لغواً أو بكائناً صفة له فيكون مستقراً . وفائدة الانتقال إلى الغيبة من لفظ المتكلم حين لم يقل تنزيلاً منا أمور منها : الافتنان في الكلام على عادتهم . ومنها تنسيق الصفات مع لفظ الغيبة . ومنها التفخيم بالإسناد أولاً إلى ضمير المتكلم المطاع في { أنزلناه } ثم إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد . وقيل : أنزلنا حكاية كلام جبرائيل فلا التفات .

و{ العلى } جمع العليا تأنيث الأعلى وفي وصف السموات بها دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها . ويحصل منه تعظيم شأن القرآن بالضرورة فعلى قدر المرسل يكون حال الرسالة . ومنه قول الحكماء : عقول الرجال تحت لسان أقلامهم .

/خ36