قوله : { إِلاَّ تَذْكِرَةً } في نصبه أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولاً من أجله ، والعامل فيه فعل الإنزال ، وكذلك " لِتَشْقَى " علة له أيضاً ، ووجب مجيء الأول مع اللام ، لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاته شريطة الانتصاب على المفعولية{[22988]} .
والثاني : جاز قطع اللام عنه ونصبه ، لاستجماعه الشرائط{[22989]} هذا كلام الزمخشري{[22990]} ، ثم قال{[22991]} : فإن قلت{[22992]} : هل يجوز أن تقول : " مَا أنْزَلْنَا أنْ تَشْقَى " ، كقوله : { أنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُم }{[22993]} قلت{[22994]} : بلى ولكنها نصبة طارئة كالنصبة{[22995]} في " وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَه " {[22996]} ، وأما النصبةُ{[22997]} في " تَذْكِرَةً " فهي كالتي في ضربت زيداً{[22998]} ، لأنه{[22999]} أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها{[23000]} .
قال شهاب الدين : قد منع أبو البقاء أن يكون " تَذْكِرَةً " ، مفعولاً له ل " أنْزَلْنَا " المذكورة لأنها قد تعدت إلى مفعول له وهو{[23001]} " لِتَشْقَى " فلا تتعدى إلى آخر من جنسه{[23002]} .
وهذا المنع ليس بشيء ، لأنه يجوز أن يعلل الفعل بعلتين فأكثر ، وإنما هذا بناءً منه على أنه لا يقتضي{[23003]} العامل من هذه الفضلات إلا شيئاً{[23004]} واحداً إلا بالبدلية أو{[23005]} العطف{[23006]} .
الثاني : أن تكون " تَذْكِرَةٌ " بدلاً من محل " لِتَشْقَى " وهو رأي الزجاج{[23007]} ، وتبعه ابن عطية{[23008]} ، واستبعده أبو جعفر{[23009]} ، ورده الفارسي{[23010]} ، بأن التذكرة ليست بشقاء وهو رد{[23011]} واضح . وقد أوضح الزمخشري هذا فقال : فإن قلت{[23012]} هل يجوز أن تكون " تَذْكِرَةً " بدلاً من محل " لِتَشْقَى " {[23013]} ؟ قلت{[23014]} : لا لاختلاف الجنسين ولكنها نصب{[23015]} على الاستثناء المنقطع الذي ( إلاَّ ) إلا بمعنى ( لكن ){[23016]} .
قال أبو حيان : يعني باختلاف الجنسين أن نصبه " تَذْكِرَةُ " نصبة صحيحة ليست بعارضة{[23017]} ، والنصبة التي تكون في " لِتَشْقَى " {[23018]} بعد نزع الخافض نصبة عارضة ، والذي نقول إنه ليس له محل ألبتة فيتوهم البدل منه{[23019]} .
قال شهاب الدين : ليس مراد الزمخشري باختلاف الجنسين إلا ما نقل عن الفارسي رداً على الزجاج ، وأي أثر لاختلاف النصبتين في ذلك{[23020]} .
الثالث : أن يكون نصباً على الاستثناء المنقطع أي : لَكِنْ أَنْزَلْنَا تَذْكِرَةً{[23021]} .
الرابع : أنه مصدر مؤكد لفاعل مقدر ، أي : لكن ذكرنا ، أو تذكرتَه أنت تذكرةً{[23022]} .
وقيل التقدير : مَا أنْزَلْنَا عَلَيكَ القرآن لتحملَ متاعب التبليغ إلا ليكون تذكرة ، كما يقال : ( مَا شَافَهْنَاكَ بِهَذَا الكلامَ لِتَتَأَذَّى إِلاَّ ليَعْتَبِر بكَ غَيْركَ ){[23023]} {[23024]} .
الخامس : أنه مصدر في موضع الحال ، أي إلا مُذَكِّراً{[23025]} .
السادس : أنه بدل من القرآن ، ويكون القرآن هو التذكرة . قاله الحوفي{[23026]} .
السابع : أنه مفعول له أيضاً ، ولكن العامل فيه " لِتَشْقَى " ، ويكون المعنى{[23027]} كما قال{[23028]} الزمخشري : إنَّا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ القرآنَ لِتتحمَّلَ متاعب التبليغ ، ومقاومة{[23029]} العتاة من أعداء الإسلام ومقابلتهم ، وغير ذلك من أنواع المشاق ، وتكاليف النبوة وما أنزلنا هذا الْمُتْعِب{[23030]} الشاق إلاَّ ليكون تَذْكِرَةً . وعلى هذا الوجه يجوز أن تكون تَذْكِرَةً حالاً ومفعولاً له{[23031]} . انتهى .
فإن قيل : من أين أخذت{[23032]} أنه لمَّا جعله حالاً ومفعولاً له أن العامل فيه " لِتَشْقَى " ، وما{[23033]} المانع أن يريد بالعامل فيه فعل الإنزال ؟
فالجواب{[23034]} : أن هذا الوجه قد تقدَّم له{[23035]} في قوله : وكل واحد من " لِتَشْقَى " ، و " تَذْكِرَةً " علة للفعل ، وأيضاً فإن تفسيره للمعنى المذكور منصَبٌّ{[23036]} على تسلط " لِتَشْقَى " على " تَذْكِرَةً " إلا أنَّ أبا البقاء لما لم يظهر له هذا المعنى الذي ظهر للزمخشري منع من عمل " لِتَشْقَى " في " تَذْكِرَةً " ، فقال : ولا يصح أن يعمل فيها " لِتَشْقَى " لفساد المعنى{[23037]} وجوابه : ما تقدَّم{[23038]} .
( ولا غرو في تسمية التعب شقاءً ){[23039]} ، قال الزمخشري{[23040]} : والشقاء يجيء في معنى التعب ، ومنه المثل : أتْعَبُ مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ ، وأشْقَى من رائضِ مُهْرٍ{[23041]} .
و " لِمَنْ يَخْشَى " متصل ب " تَذْكِرَةًُ " وزيدت اللام في المفعول ، تقوية للعامل لكونه فرعا{[23042]} . ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة ل " تَذْكِرة " .
وخصَّ مَنْ يَخْشَى بالتذكر ، لأنهم المنتفعون بها ، كقوله : { هُدًى لِلْمُتَّقين }{[23043]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.