تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا} (44)

{ 44 - 45 } { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا }

يحض تعالى على السير في الأرض ، في القلوب والأبدان ، للاعتبار ، لا لمجرد النظر والغفلة ، وأن ينظروا إلى عاقبة الذين من قبلهم ممن كذبوا الرسل ، وكانوا أكثر منهم أموالا وأولادا وأشد قوة ، وعمروا الأرض{[747]}  أكثر مما عمرها هؤلاء ، فلما جاءهم العذاب ، لم تنفعهم قوتهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا ، ونفذت فيهم قدرة اللّه ومشيئته .

{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } لكمال علمه وقدرته { إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا }


[747]:- كذا في ب، وفي أ: وعمروها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا} (44)

{ أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الارض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } .

عطف على جملة { فهل ينظرون إلا سنت الأولين } [ فاطر : 43 ] استدلالاً على أن مساواتهم للأولين تنذر بأن سيحل بهم ما حلّ بأولئك من نوع ما يشاهدونه من آثار استئصالهم في ديارهم .

وجملة { وكانوا أشد منهم قوة } في موضع الحال ، أي كان عاقبتهم الاضمحلال مع أنهم أشد قوة من هؤلاء فيكون استئصال هؤلاء أقرب .

وجيء بهذه الحال في هذه الآية لما يفيده موقع الحال من استحضار صورة تلك القوة إيثاراً للإِيجاز لاقتراب ختم السورة . ولذلك لم يؤت في نظائرها بجملة الحال ولكن أتى فيها بجملة وصفٍ في قوله في سورة غافر ( 21 ) : { الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض } وفي سورة الروم ( 9 ) { الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض } حيث أوثر فيهما الإِطناب بتعداد بعض مظاهر تلك القوة .

{ وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْءٍ فِى السماوات وَلاَ فِى الارض إِنَّهُ كَانَ عليما قديرا } .

لما عَرَض وصف الأمم السابقة بأنهم أشد قوة من قريش في معرض التمثيل بالأولين تهديداً واستعداداً لتلقّي مثل عذابهم أتبع ذلك بالاحتراس عن الطماعية في النجاة من مثل عذابهم بعلة أن لهم من المنجيات ما لم يكن للأمم الخالية كزعمهم : أن لهم آلهة تمنعهم من عذاب الله بشفاعتها أو دفاعها فقيل : { وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض } ، أي هَبكم أقوى من الأولين أو أشدّ حِيلة منهم أو لكم من الأنصار ما ليس لهم ، فما أنتم بمفلَتين من عذاب الله لأن الله لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء كقوله : { وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون اللَّه من ولي ولا نصير } [ العنكبوت : 22 ] .

وجيء بلام الجحود مع { كان } المنفية لإِفادة تأكيد نفي كل شيء يحول دون قدرة الله وإرادته ، فهذه الجملة كالاحتراس .

ومعنى « يعجِزه » : يجعله عاجزاً عن تحقيق مراده فيه فيفلت أحد عن مراد الله منه .

وجملة { إنه كان عليماً قديراً } تعليل لانتفاء شيء يغالب مراد الله بأن الله شديد العلم واسعه لا يخفى عليه شيء وبأنه شديد القدرة .

وقد حصر هذان الوصفان انتفاء أن يكون شيء يعجز الله لأن عجز المريد عن تحقيق إرادته : إما أن يكون سببه خفاء موضع تحقق الإِرادة ، وهذا ينافي إحاطة العلم ، أو عدم استطاعة التمكن منه وهذا ينافي عموم القدرة .