اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا} (44)

قوله : { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ } لما ذكر الأولين وسنته في إهلاكهم نبههم بتذكير الأولين فإنهم كانوا يمرون على ديارهم ويرون آثارهم وأملهم كان فوق أملهم وعملهم كان دون عملهم وكانوا أطول أعماراً منهم وأشد اقتداراً ومع هذا لم يكذبوا مِثْلَ محمد وأنتم يا أهْلَ مكة كفرتم محمداً ومَنْ تَقَدَّمَهُ .

قوله : { وكانوا أَشَدّ } جملة في موضع نصب على الحال{[45592]} ونظيرتها في الروم : «كَانُوا »{[45593]} بلا «واو » على أنها مستأنفة فالمَقْصِدانِ مُخْتَلِفَان .

وقال ابن الخطيب : الفرق بينهما أن قول القائل : «أمَا رَأَيْتَ زَيْداً كَيْفَ أَكْرَمَنِي هُو أَعْظَمُ مِنْكَ » يفيد أن القائل يخبره بأن زيداً أعظمُ وإذا قال : مَا{[45594]} رَأَيته{[45595]} كَيْفَ أكْرَمَنِي وهُوَ أَعْظَمُ ( مِنْكَ ){[45596]} يفيد أن يقرر أن المعنيين حاصلان عند السامع كأنه رآه أكرمه ورآه أكرم منه ( و ){[45597]} لا شك في أن هذه العبارة الأخيرة تفيد كون الأمر الثاني في الظهور مثل الأول بحيثُ لا يحتاج إلى إعلام من المتكلم ولا إخبار . وإذا علم هذا فنقول : المذكور ههنا كونُهم أشدَّ منهم قوة لا غير ولعل ذلك كان ظاهراً عندهم فقال «بالواو » أي نظركم كما يقع على عاقبة أمرهم يقع على قوتهم وأما هناك فالمذكور أشياء كثيرة فإنه قال : { أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرض وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ } [ الروم : 9 ] وفي موضع آخر قال : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأرض } [ غافر : 82 ] ولعل عملهم لم يحصل بإثارتهم{[45598]} في الأرض أو{[45599]} بكثرتهم ولكن نفس القوة ورجحانهم كان معلوماً عندهم فإن كل طائفة تعتقد فيمن تقدمها أنها{[45600]} أَقْوَى منها ولا تنازع فيه .

قوله : { وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ } أي ليفوت عنه . وهذا يحتمل شيئين{[45601]} :

أحدهما : أن يكون المراد بيان أن الأولين مع شدة قوتهم ما أعجزوا الله وما فاتوه فهم أولى بأن لا يُعْجزوه .

والثاني : أن يكون قطعاً لاعتقاد الجهال فإنَّ قائلاً لو قال : هب أن الأولين كانوا أشدَّ قوةً وأطْوَلَ أعماراً لكنا نستخرج بذكائنا ما يزيد على قواهم ونستعين بأمور أرضيةٍ لها خواص أو كواكبُ سماوية لها أثارها فقال الله تعالى : { وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً }{[45602]} بأفعالهم وأقوالهم «قَدِيراً » على إهلاكهم واستئصالهم .


[45592]:قاله السمين في الدر 4/490 .
[45593]:الآية 9 منها وانظر: البحر المحيط 7/320 والسمين 4/490 .
[45594]:في الرازي ((أما)) لا (ما) كما في النسختين .
[45595]:في ((ب)) رأيت وما هنا موافق للفخر الرازي .
[45596]:ساقط من ((ب)) وهو في الفخر.
[45597]:كذلك .
[45598]:الأصح كما أثبت أعلى وهو موافق للرازي وفي النسختين بإثارتهم .
[45599]:في ((ب)) أي. والرازي موافق لما هنا .
[45600]:في الفخر (أنهم) بالجمع وفي ((ب)) أنه بالإفراد المذكر .
[45601]:في الفخر وجهين وفي ((ب)) معنيين .
[45602]:في ((أ)) عالما والصحيح من ((ب)) .